إن توثيق الأحياء القديمة في مدينة الرياض يعد عملاً تاريخيًا وثقافيًا في غاية الأهمية، فهو ليس مجرد رصد لأسماء أحياء أو طرقات أو مبانٍ، بل هو حفظ لذاكرة مدينة عريقة، ووفاءٌ لجيلٍ عاش فيها، وبنى معالمها، وأسّس موروثها الاجتماعي والثقافي. فالرياض لم تكن يومًا مجرد عاصمة سياسية وإدارية، بل هي حاضنة للعلم والعلماء، ومنبع للثقافة، وملتقى لأهل الكرم والمروءة. عاشت الرياض قديمًا حياةً بسيطة في ظاهرها، عظيمة في قيمها ومعانيها. كان الجار قريبًا من جاره، يعرفه ويهتم بأحواله، والأهالي يشاركون بعضهم الأفراح والأتراح، في صورة من أبهى صور التلاحم الاجتماعي. الشوارع وإن كانت ضيقة ومنازلها متلاصقة، إلا أن القلوب كانت واسعة، عامرة بالمودة والإخاء. كانت الأحياء القديمة تنبض بالحياة، من أصوات الباعة في الأسواق، وعبق القهوة والعود في البيوت، واجتماع الرجال في الديوانيات، وبهجة الأطفال وهم يلعبون في أزقتها. هذه التفاصيل الصغيرة صنعت ملامح الرياض القديمة، ورسخت قيم التضامن والفضيلة في نفوس أبنائها. ومن هنا تأتي أهمية التوثيق؛ فالمحافظة على أسماء الأحياء القديمة تسهم في إبراز هوية الرياض، وربط الأجيال الحالية والقادمة بماضيهم العريق، وفهم طبيعة التحولات العمرانية والاجتماعية التي مرت بها المدينة. فالأحياء هي ذاكرة المكان، وبتوثيقها نحفظ جزءًا من قصة وطن. ولا يمكن الحديث عن الرياض وتطورها دون ذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي يعد بحق عراب النهضة الحديثة للرياض. فمنذ أن تولى إمارة منطقة الرياض، حمل همَّ تطوير المدينة والارتقاء بها، فتابع مشاريعها بدقة وحرص، وأشرف على نموها حتى أصبحت اليوم واحدة من أجمل وأكبر العواصم في المنطقة. لقد كان الملك سلمان يتعامل مع الرياض كبيته الكبير، يراقب تفاصيلها، ويعتني بماضيها وحاضرها ومستقبلها، فكان حاضرًا في كل مشروع، وداعمًا لكل مبادرة، ومتابعًا لكل صغيرة وكبيرة. هذا الاهتمام الاستثنائي جعل الرياض تنتقل من مدينة متواضعة بمبانيها وأحيائها إلى حاضرة عصرية عالمية، تحتضن مؤسسات الدولة الكبرى، وتستقبل الفعاليات العالمية، وتبقى في ذات الوقت متمسكة بتاريخها وأصالتها. ولعل أعظم ما يميز نهج الملك سلمان -حفظه الله- أنه جمع بين الوفاء للماضي والانفتاح على المستقبل، فحافظ على ذاكرة المدينة وفي الوقت ذاته أسس لنهضتها. بعض أحياء الرياض القديمة ومن أبرز الأحياء القديمة في مدينة الرياض التي شكّلت ملامحها الاجتماعية والعمرانية: معكال، ومنفوحة، سكيرينه، الحبونية، الطويلعة، الفوارة، الصالحية، المصانع، مصدة، ثليم، العجلية، شلقاء خنشليلة، القري، أم قرو، الحلة، الشميسي، الدوبيه، صبيخ، المرقب البطحاء، الدحو، المناخ، حلة القصمان، المقيبرة، الفوطة، العصارة، العود، أم سليم، القناعي، المليحة، السمحانية، العريجاء، المربع، العليا، الملز، الناصرية، الرفيعة، الظهيرة، الحساني، القناعي، عتيقه، خنشليله، الشرقيه، جبره، العجليه، القرينين، الجراديه. هذه الأحياء وغيرها تمثل ذاكرة حية تختزن قصص الناس، وحياة الأسر، وتفاصيل الأيام التي صنعت ملامح الرياض، لتبقى شاهدًا على مراحلها المختلفة وتحولاتها الكبرى. * المشرف على ديوانية آل حسين التاريخية وجه جديد تعود به الأحياء القديمة الساعة من المعالم القديمة الباقية بساطة المباني وعراقتها تحكي ماضياً جميلاً