بالأمس احتفلنا باليوم الوطني، واليوم يصادف ذكرى مرور أحد عشر عامًا على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- مقاليد الحكم ملكًا للمملكة العربية السعودية، منذ الثالث من ربيع الآخر 1436ه الموافق 23 يناير 2015م، وما بين اليوم الوطني وذكرى البيعة يتجدد الاحتفاء بمسيرة قائد حكيم، وولي عهد ملهم، وشعب طموح، اجتمعوا على كلمة واحدة لبناء وطن يتصدر المشهد الإقليمي والعالمي، وفي هذه المناسبة الغالية، يحتفي أبناء المملكة والمقيمون على أرضها بما تحقق خلال هذا العقد من منجزات تاريخية وتحولات غير مسبوقة جعلت من المملكة نموذجًا رائدًا في التنمية الشاملة، ومركزًا عالميًا للقرار السياسي والاقتصادي. بداية عهد ملهم منذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم، حمل الملك سلمان بن عبدالعزيز همّ الإصلاح والتطوير، مستندًا إلى خبرة عريقة امتدت لأكثر من خمسة عقود في العمل الإداري والقيادي أميرًا لمنطقة الرياض، وقد استطاع -بعزمه ورؤيته- أن يقود المملكة إلى مرحلة جديدة من التحديث والتحول، لتصبح أكثر جاهزية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، ففي عام 2016م، انطلقت رؤية المملكة 2030 بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لتكون خارطة طريق شاملة لبناء اقتصاد متنوع ومجتمع حيوي ووطن طموح. خارطة التحول الوطني وأصبحت رؤية 2030 محورًا رئيسيًا في جميع الإنجازات التي شهدتها المملكة خلال العقد الماضي، فقد انعكست على الاقتصاد الوطني من خلال إصلاحات هيكلية كبرى عززت الشفافية، وجذبت الاستثمارات، ومكّنت القطاع الخاص، وتشير الإحصاءات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي تضاعف تقريبًا من 2.4 تريليون ريال في 2015 إلى نحو 4 تريليونات ريال في 2023، مع استمرار النمو في 2024 و2025 مدعومًا بارتفاع حجم الاستثمارات غير النفطية. تمكين الإنسان في الصدارة ولم يكن التحول مقتصرًا على الاقتصاد فحسب، بل شمل المجتمع السعودي بعمق، فقد شهد عهد الملك سلمان نقلة نوعية في تمكين المرأة، حيث حصلت على حق قيادة السيارة، والانخراط في قطاعات جديدة مثل القضاء والدبلوماسية والطيران، وتولي مناصب وزارية وإدارية عليا، وبحلول عام 2025، بلغت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل أكثر من 36 %، متجاوزة المستهدفات المبكرة لرؤية 2030، أما الشباب، الذين يمثلون غالبية السكان، فقد حظوا ببرامج نوعية للتأهيل والتمكين، بما في ذلك برامج الابتعاث، ودعم ريادة الأعمال، ومبادرات الابتكار، مما جعلهم شركاء أساسيين في مسيرة النهضة الوطنية. سياسة خارجية متوازنة وحضور عالمي وعلى المستوى الدولي، تميز عهد الملك سلمان بالحزم في حماية مصالح المملكة، والاعتدال في بناء علاقاتها، فقد قادت المملكة التحالف العربي في اليمن دعمًا للشرعية، وأسست التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، كما برز الدور الدبلوماسي السعودي عالميًا من خلال استضافة قمم كبرى مثل قمة العشرين في الرياض، والقمة العربية–الصينية، والقمة الخليجية–الآسيوية، مما جعل المملكة مركزًا رئيسيًا للتشاور الدولي، وتواصل المملكة دعمها الثابت للقضية الفلسطينية، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، في انسجام مع مواقفها التاريخية الثابتة. عطاء بلا حدود كما يمثل العمل الإنساني أحد أبرز ملامح عهد الملك سلمان، فقد أنشئ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عام 2015، ليصبح ذراع المملكة الإغاثية للعالم، وحتى 2025، نفذ المركز أكثر من 2500 مشروع في أكثر من 100 دولة، شملت مجالات الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، والإغاثة العاجلة، بقيمة تجاوزت 7 مليارات دولار. إنجازات رياضية وثقافية وفي السنوات الأخيرة، أصبحت المملكة وجهة رياضية عالمية، حيث استضافت بطولات كبرى في كرة القدم والملاكمة والفورمولا 1، إضافة إلى فعاليات ثقافية وترفيهية مثل "موسم الرياض" الذي اجتذب ملايين الزوار من مختلف دول العالم، كما أُدرجت مواقع سعودية جديدة في قائمة التراث العالمي لليونسكو؛ مما يعكس الثراء الثقافي والحضاري للمملكة. صناعة المستقبل ومع حلول الذكرى الحادية عشرة للبيعة، يستحضر السعوديون أبرز المنجزات التي رسخت عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- كمرحلة تاريخية مفصلية في مسيرة المملكة، ومن أبرز ما يميز هذه الحقبة إطلاق وتنفيذ مشاريع استراتيجية عملاقة، لم تقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل تجاوزته لتشكل ركيزة أساسية في بناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة، متسقة مع رؤية المملكة 2030. ويُعد مشروع نيوم أحد أعظم المشاريع التي انطلقت في عهد الملك سلمان، وهو رمز لرؤية تتجاوز حدود الحاضر نحو مستقبل مبتكر. فمنذ إعلان المشروع، جرى العمل على تحويل شمال غرب المملكة إلى مركز عالمي للتقنية والابتكار، يشمل مشروعات نوعية مثل "ذا لاين" المدينة الخطية الذكية التي تمثل ثورة في أسلوب العيش الحضري، و"أوكساجون" التي تعكس مستقبل المدن الصناعية القائمة على الاستدامة والتقنيات المتقدمة، ومع دخول المشروع مراحله التنفيذية المتقدمة في عام 2025، أصبح يجذب استثمارات كبرى وشركات عالمية، مما يعزز موقع المملكة كمحور رئيس في الاقتصاد العالمي. وجهة سياحية عالمية أما في القطاع السياحي والترفيهي، فقد شهدت المملكة نقلة نوعية من خلال مشروعات البحر الأحمر، أمالا، والقدية، وهذه المشاريع ليست مجرد وجهات للترفيه والسياحة، بل هي منصات لتغيير مفهوم السياحة في المنطقة، حيث ترتكز على الاستدامة والتميز الفاخر، وقد بدأت نتائج هذه الجهود تتجلى، إذ استقبلت المملكة أكثر من 27 مليون سائح دولي في عام 2024، محققة تقدمًا ملموسًا في مؤشرات السياحة العالمية، وهذا الإنجاز يبرهن على أن عهد الملك سلمان لم يقتصر على بناء اقتصاد متنوع، بل جعل من المملكة مقصدًا عالميًا للثقافة والترفيه والسياحة الفاخرة. عاصمة الثقافة والتراث في موازاة هذه المشاريع، جاء برنامج تطوير الدرعية ليعكس حرص القيادة على صون التراث السعودي وتعزيز الهوية الوطنية، فالدرعية، بما تحمله من قيمة تاريخية كونها مهد الدولة السعودية الأولى، تحولت إلى وجهة عالمية تحتضن فعاليات ثقافية وتراثية كبرى، وتستقطب ملايين الزوار سنويًا، وهذا المشروع لا يكرس فقط الاعتزاز بالجذور التاريخية، بل يربط الماضي العريق بالحاضر المزدهر والمستقبل الواعد، في انسجام مع رؤية 2030. التزام عالمي بالاستدامة وفي ميدان البيئة والمناخ، أطلقت المملكة مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، كترجمة عملية لالتزامها بحماية كوكب الأرض وضمان مستقبل أفضل للأجيال، وتشمل المبادرات خططًا لزراعة مليارات الأشجار، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة. وقد لقيت هذه الجهود إشادة واسعة دوليًا، مما عزز مكانة المملكة كقائد إقليمي وعالمي في قضايا الاستدامة. نحو 2030 وما بعدها ويواصل السعوديون مسيرة العمل برؤية واضحة نحو تحقيق مستهدفات 2030، التي قطعت المملكة شوطًا كبيرًا منها مبكرًا، خاصة في مجالات التحول الرقمي، الطاقة المتجددة، وتطوير المدن الذكية، معتزين بقيادتهم الرشيدة، مستذكرين عقدًا من الإنجازات الكبرى التي وضعت المملكة على طريق المستقبل، لتظل منارة للعالم الإسلامي، وقوة اقتصادية وسياسية وإنسانية مؤثرة على الساحة الدولية. خادم الحرمين يضع حجر أساس مشروع القدية