شهدت سوق الأسهم السعودية واحدة من أكثر جلساتها زخماً منذ مطلع العام 2025، بعدما ارتفع المؤشر العام "تاسي" بأكثر من 5,1 % ليتجاوز مستوى 11,426 نقطة "أكثر 550 نقطة"، بتداولات نشطة بلغت قيمتها الإجمالية نحو 14.5 مليار ريال، محققاً بذلك ثاني أفضل أداء يومي في العام الجاري. وجاءت هذه القفزة اللافتة في أعقاب تقارير متواترة عن اقتراب صدور قرار يسمح برفع سقف ملكية الأجانب في الشركات المدرجة، وهو ما اعتبره المستثمرون إشارة قوية على انفتاح أوسع للسوق أمام رؤوس الأموال العالمية. وعكست الجلسة التي جرت يوم الأربعاء حالة من التفاؤل الكبير بين المتعاملين، إذ سجلت معظم القطاعات مكاسب قوية، بينما قفزت أسهم البنوك الكبرى بالحد الأعلى المسموح به "10 %"، فقد ارتفع سهم مصرف الراجحي، والبنك الأهلي السعودي، ومصرف الإنماء، لتقود موجة صعود جماعية طالت قطاعات البتروكيماويات، الاتصالات، والطاقة، وفي المحصلة النهائية، ارتفعت أسعار 252 سهماً مقابل تراجع 6 فقط، وهو ما يعكس عمق المشاركة في الصعود وعدم اقتصاره على أسهم قيادية محددة. وحول ذلك قال الاقتصادي د. سالم باعجاجة: "أن من أهم أسباب ارتفاع السوق السعودي هو رفع سقف الملكية الاجنبية بالشركات المدرجة في سوق الاسهم، حيث تحدث عضو مجلس ادارة هيئة السوق المالية عبدالعزيز بن عبدالمحسن عن أن الهيئة تقترب من تعديل رئيسي برفع سقف ملكية الاجانب في الشركات المدرجة والذي يبلغ حالياً 49 %. وهذا يعني السماح للمستثمرين الاجانب بامتلاك حصص أكبر في الشركات المدرجة في السوق. وهذا يعني تملك حصص الاغلبية، وهذه الخطوة تهدف الى تحقيق عدة فوائد وهي: "جذب استثمارات ضخمة وبالتالي تدفق رؤوس إموال أجنبية جديدة من صناديق ومؤسسات مالية كبرى، وهذا التدفق يعزز من سيولة السوق التي تعزز مكانة السوق عالمياً، تحفيز النمو مع دخول أموال أجنبية، وتطور بيئة السوق ستجلب هذه الخطوة خبرات ومعايير عالمية عالية، وتطور القطاعات غير النقطية مثل السياحة والترفية والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، ويعزز الشفافية والحوكمة". وتوقع باعجاجة: "إن السوق في المرحلة القادمة سيشهد دخول سيولة استثمارية من صناديق ومؤسسات عالمية ستأثر بشكل تدريجي على ارتفاع المؤشر للوصول إلى 12000 نقطة قفزة في السيولة والقيمة السوقية. ولم يكن ارتفاع الأسعار وحده هو اللافت، بل رافقه نشاط غير مسبوق في مستويات السيولة، إذ تجاوزت قيمة التداولات 14,5 مليار ريال خلال جلسة واحدة، بينما بلغت المكاسب السوقية أكثر من 481 مليار ريال، وهو رقم يعكس حجم الزخم الاستثماري الذي تدفق نحو السوق في وقت وجيز. ويشير المحللون إلى أن هذه الطفرة في السيولة تُعدّ مؤشراً على دخول قوى شرائية جديدة، ربما مرتبطة بتوقعات دخول رؤوس أموال أجنبية خلال الفترة المقبلة. خلفية القرار المرتقب وتعود جذور هذه الطفرة إلى الأنباء المتداولة عن توجه هيئة السوق المالية لإقرار رفع سقف ملكية الأجانب في الشركات المدرجة، وهو ما أكدته تصريحات عبدالعزيز بن حسن، عضو مجلس إدارة هيئة السوق المالية، الذي أوضح أن القرار يهدف إلى جعل السوق السعودية أكثر انفتاحاً وتنافسية، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. وبحسب التقديرات الأولية، فإن القرار المرتقب قد يفتح الباب أمام تدفقات استثمارية أجنبية تتجاوز 10 مليارات دولار، كما قد يرفع وزن السوق السعودية في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة من 3.3 % حالياً إلى نحو 5 %، وهو ما يعني زيادة الاهتمام من الصناديق الاستثمارية العالمية التي تتبع هذا المؤشر. وقد كشف بن حسن أنّ "رفع سقف ملكية الأجانب يمثل خطوة استراتيجية في مسيرة تطوير السوق المالية السعودية، ويهدف إلى تعزيز جاذبية السوق أمام المؤسسات والصناديق العالمية، وتحفيز مستويات أعلى من الحوكمة والشفافية لدى الشركات المدرجة"، مضيفًا أن القرار من شأنه دعم تدفق المزيد من الاستثمارات طويلة الأجل، وتقليص حدة المضاربات قصيرة المدى، بما ينعكس إيجاباً على استقرار السوق ونموها المستدام. الأبعاد الاستراتيجية للقرار ولا يقتصر أثر القرار المرتقب على الأرقام الفورية في السيولة والمؤشرات، بل يمتد إلى أبعاد استراتيجية أعمق. فمن جهة، يُعد رفع سقف الملكية جزءاً من حزمة إصلاحات أوسع تهدف إلى جعل السوق السعودية ضمن قائمة أكبر 10 أسواق مالية عالمية بحلول 2030، ومن جهة أخرى، يساهم القرار في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين عبر إدخال معايير دولية أكثر صرامة في الإفصاح والحوكمة، كما أن دخول مستثمرين أجانب كبار مثل الصناديق السيادية العالمية وصناديق التقاعد من شأنه أن يدعم استقرار السوق، حيث تتميز هذه الجهات بالاستثمار طويل الأمد، ما يقلل من حدة التذبذب ويزيد من عمق السوق وسيولته. انعكاسات على القطاعات المختلفة من المتوقع أن تحظى القطاعات القيادية بالنصيب الأكبر من التدفقات الأجنبية، وعلى رأسها القطاع المصرفي الذي أظهر في جلسة أمس قوته في قيادة المؤشر، كما يُنتظر أن تستفيد شركات البتروكيماويات المرتبطة بالأسواق العالمية، إضافة إلى قطاعي الاتصالات والطاقة، بحكم ارتباطهما بفرص نمو واسعة وقاعدة أصول ضخمة، في المقابل، قد يشهد قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة ضغطاً تنافسياً متزايداً، لكنه في الوقت نفسه قد يجذب صناديق متخصصة تبحث عن فرص نمو مستقبلية، مما يعزز تمويلها واستدامة أعمالها. قراءة في توجهات المستثمرين ومن الواضح أن المستثمرين المحليين تفاعلوا مع الأخبار بشكل سريع، حيث قادوا موجة شراء واسعة سبقت حتى صدور القرار رسمياً. ويعكس ذلك مستوى الثقة في توجهات هيئة السوق المالية والسياسات الاقتصادية في المملكة، التي أثبتت قدرتها على جذب رؤوس الأموال عبر قرارات إصلاحية مدروسة. ويشير مراقبون إلى أن المستثمرين الأجانب الذين يستعدون لدخول السوق وسيتجهون إلى بناء مراكز طويلة الأجل، ما يعني أن السوق السعودية قد تدخل مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو الهيكلي، بعيداً عن دورات المضاربة قصيرة المدى التي طبعت بعض مراحلها السابقة. ارتباط القرار برؤية السعودية 2030 إلى ذلك يتكامل قرار رفع سقف ملكية الأجانب مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز دور القطاع الخاص، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتولي الرؤية أهمية كبرى لتطوير السوق المالية باعتبارها رافداً رئيسياً لتمويل المشاريع الكبرى، ومنصة لجذب المستثمرين العالميين، وبذلك، لا يُنظر إلى القرار كخطوة منفصلة، بل كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تحويل السوق السعودية إلى مركز مالي إقليمي وعالمي، يوازي مكانة المملكة الاقتصادية والجيوسياسية. ويمكن القول إن الارتفاع الكبير الذي شهدته سوق الأسهم السعودية اليوم لم يكن مجرد حركة عابرة، بل يعكس توقعات جوهرية بتحولات هيكلية قادمة في السوق. وإذا ما تم اعتماد قرار رفع سقف ملكية الأجانب رسمياً، فإن السوق السعودية مرشحة لمرحلة جديدة من الانفتاح والاستقرار والنمو، بما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين.