الجبير يلتقي رئيسة وزراء جمهورية باربادوس    الملك سلمان: نحمد الله على ما تحقق من إنجازات في بلادنا الغالية    التقي القيادات في منطقة نجران.. وزير الداخلية: الأمنيون والعسكريون يتفانون في صون استقرار الوطن    وكالة شؤون الأفواج الأمنية تشارك في فعالية "عز الوطن"    «كروز» ترسخ مكانة السعودية في السياحة البحرية    ضبط 4 مقيمين مخالفين لنظام البيئة    أكد عزم السعودية على تحقيق السلام.. وزير الخارجية: «حل الدولتين» يضع حداً لحرب غزة    الشباب السعوديون يصنعون المستقبل من الفضاء    الصحة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية.. مستشفيات غزة على وشك التوقف    السفير الفلسطيني: اليوم الوطني يجسد معاني الوحدة والازدهار والمكانة المرموقة للمملكة    القيادة تتلقى تعازي قادة دول في مفتى عام المملكة    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان التهاني باليوم الوطني    تغلب على الأهلي بثلاثية.. بيراميدز يتوج بكأس القارات الثلاث «إنتركونتنتال»    أوقفوا نزيف الهلال    الكرة في ملعب مسيري النادي أيها الفتحاويون    قصص شعرية    أحلام تتألق في الشرقية بليلة غنائية وطنية    علماء يبتكرون خاتماً لاحتواء القلق    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    السلام من مبدأ القوة    «الأخضر الصغير» يتأهل لمربع الخليج    اليوم الوطني السعودي.. حين تصنع الثقافة الوطنية مواطناً فاعلاً    فيصل بن مشعل يرعى مسيرة اليوم الوطني واحتفال أهالي القصيم    رياضتنا في 95 عاماً.. إرشيف رياضي وصفحات تاريخية خالدة    الإعلام.. مستقبل حافل بالمنجزات والتحولات    ختام الفعاليات في اليوم الوطني السعودي 95 بإقبال جماهيري لافت    سعوديبيديا تصدر ملحقا عن اليوم الوطني السعودي 95    اليوم الوطني.. الدبلوماسية السعودية باقتدار    نمو أقوى في 2025 و2026 للاقتصاد الخليجي بقوة أداء القطاعات غير النفطية    مشروعات السياحة العملاقة ركائز لنمو اقتصادي وسياحي غير مسبوق    الاتحاد يتأهل لثمن نهائي الكأس على حساب الوحدة    بلان يتحدث عن موقف بنزيما من لقاء النصر    الدفاع المدني يشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    القوات الخاصة للأمن والحماية تشارك في مسيرة احتفالات اليوم الوطني السعودي ال(95) بمحافظة الدرعية    المحائلي تبدع بالفن التشكيلي في اليوم الوطني ال95 رغم صغر سنها    رحيل مفتي المملكة.. إرث علمي ومسيرة خالدة    محافظة طريب تحتفل باليوم الوطني ال95    59% من السعوديين يفضلون الحوالات عبر التطبيقات الرقمية    عروض العيد الوطني تنعش المشتريات    1.3 مليون قرض مباشر والمسنون الأكثر استفادة    صلاة الغائب على سماحة المفتي العام للمملكة في المسجد النبوي    اطلاق النسخة الخامسة من مبادرة عطاء القطاع الصحي الخاص "وَليد"    السعودية ترحب بالاعترافات الدولية بفلسطين خلال مؤتمر حل الدولتين    الهلال الأحمر بالقصيم يكمل جاهزيته للاحتفال باليوم الوطني ال95 ومبادرة غرسة وطن وزيارة المصابين    الأحساء تشهد نجاح أول عملية بالمملكة لاستئصال ورم كلوي باستخدام جراحة الروبوت    أمير جازان ونائبه يزوران معرض نموذج الرعاية الصحية السعودي    المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    مركز التنمية الاجتماعية بوادي الدواسر يحتفي باليوم الوطني ال95 للمملكة    نائب أمير تبوك: اليوم الوطني مناسبة غالية نستحضر من خلالها التاريخ المجيد لهذه البلاد المباركة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " قيادة وشعبًا متماسكين في وطنٍ عظيم "    أهمية اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية والباكستان    100 شاب يبدؤون رحلتهم نحو الإقلاع عن التدخين في كلاسيكو جدة    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    اليوم الوطني.. وحدة وبناء    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    الأحوال المدنية تشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    القوات الأمنية تستعرض عرضًا دراميًا يحاكي الجاهزية الميدانية بعنوان (حنّا لها)    عزنا بطبعنا.. المبادئ السعودية ركيزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخٌ يشهد بالمجد ورؤية تشيّد الغد


قصة أمة صنعت من الشتات وحدة ومن الحلم دولة
من بطولات المؤسس إلى قفزات الرؤية.. السعودية تكتب فصول المجد المتجدد
ذكرى التوحيد.. وطن يستلهم التاريخ ويقود التحولات
اليوم الوطني، مناسبة وطنية عظيمة تمثل مسيرة التوحيد التي قادها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – فانتقل بالمنطقة من حال التفرق والاضطراب إلى رحاب الوحدة والاستقرار، ومن شتاتٍ متنافر إلى وطن واحد تتوحد فيه القلوب تحت راية الوطن. وفي هذا اليوم الخالد، يعبر السعوديون عن اعتزازهم بمجدهم، ووفائهم لقيادتهم، وإصرارهم على مواصلة مسيرة البناء التي تحملها رؤية المملكة 2030 نحو مستقبل مزدهر. إنه اليوم الذي يُعيد السعوديون فيه قراءة تاريخهم بفخر وإجلال، ويستحضرون أمجاد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، وهو يعيد رسم ملامح الجزيرة العربية، مستردا مجد آبائه وأجداده الذي تأسس على يد الإمام محمد بن سعود عام 1139ه / 1727م، ففي مثل هذا اليوم من عام 1351ه/ 1932م سجل التاريخ أبرز المآثر التاريخية التي غيرت مجرى تاريخ الجزيرة العربية وهو توحيد أرجاء هذه البلاد تحت حكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، ففي هذا اليوم تبددت الفوضى وتحوّل الاضطراب إلى استقرار والخوف إلى أمان، ليُكتب بذلك تاريخ مجيد عنوانه المملكة العربية السعودية.
اليوم الوطني الخامس والتسعون مناسبة تعكس عمق الانتماء وصدق الولاء، نستذكر فيها ملحمة التوحيد التي قادها الملك عبدالعزيز – رحمه الله – الذي أرسى ركائز الأمن والعدل وجعل من الشتات وحدة، ومن التباين انسجامًا، ومن التفرّق قوة، ومن التحديات انطلاقة نحو بناء وطن متماسك.
ففي هذا اليوم تتجدد الثقة بقيادة الوطن، وتتعزز معاني اللحمة بين أبنائه، وتُستحضر مسيرة قرون من الأمجاد والسؤدد. إنه يوم يحمل في معانيه وفاءً للماضي، واعتزازًا بالحاضر، وتطلعًا لمستقبل تصنعه رؤية المملكة 2030 بما تجسده من طموحات واسعة لوطنٍ يواصل حضوره وتأثيره في محيطه الإقليمي والعالمي.
وفي هذا اليوم نفتخر ونحتفل بتاريخنا معبرين بفرح عن انتمائنا لهذا الوطن العظيم معتزين بهويتنا الوطنية الأصلية وما نتميز به من وحدة وتماسك.
لم يكن الطريق إلى الوحدة والاستقرار سهلاً أو ميسورًا؛ فقد واجه الملك عبدالعزيز – رحمه الله – العديد من التحديات، تجاوزها بحنكته وبُعد نظره حتى تحقق التوحيد وأُرسيَ بنيان الوطن وسط صراعات القبائل وتحديات الظروف المحيطة، وبالرغم من هذه التحديات، فإن عزيمة الملك عبدالعزيز ورؤيته الواضحة جعلت من الصعب ممكنًا، ومن الحلم واقعًا، لم تكن العقبات التي واجهها قادرة على إيقاف مسيرته، ولا التحديات سببًا في زعزعة عزيمته.
استرداد الرياض وانطلاقة العهد الزاهر
كان استرداد الرياض عام 1902م أول لبنة لبناء هذا الكيان الشامخ وبداية مرحلة مفصلية ومحطة أساسية في مسيرة التوحيد التي قادها الملك عبدالعزيز بعزيمة راسخة ورؤية حكيمة، بعد استرداد الرياض شرع في التخطيط لبناء مستقبل عظيم، هدفه توحيد أرجاء الجزيرة العربية التي أنهكتها الانقسامات تحت راية واحدة، وحماية أبناء الوطن وتأمين مستقبلهم، قبل توحيد البلاد شهدت الجزيرة العربية فترة من الفوضى المتمثلة في التفكك السياسي والتناحر بين القبائل والبلدان والقرى، وواكب ذلك ضعف اقتصادي وركود علمي وسيطرة الجهل بين طبقات المجتمع، لذلك كان توحيد أرجاء الجزيرة العربية تحت راية واحدة ضرورة ملحة، تُرجمت خططه -رحمه الله- لأفعال وتوالت بعد ذلك بطولات المؤسس، فكانت انتصاراته تجسيدًا لفكرة عظمى، وحلمًا بوطن واحد يستظل بعز الأمن وطمأنينة الاستقرار.
كانت المعارك التي قادها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- منعطفًا حاسمًا في تاريخ الجزيرة العربية؛ فقد أعادت رسم ملامح المنطقة، وأخرجت الناس من التشتت إلى الاجتماع، ومن الاضطراب إلى الاستقرار، ومن الخوف إلى الأمان، ومع كل تقدم كان المؤسس يرسخ خطوة جديدة في نهج البناء الوطني، نهج يقوم على الثبات والتبصّر، فأرسى بذلك دعائم الأمن والوحدة والاستقرار، فأصبحت البلاد كيانا واحدا راسخ الأركان، ثابت الأسس، يستمد قوته من وحدته واستقراره.
وجاءت اللحظة الفاصلة في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932، حين أعلن الملك عبدالعزيز توحيد البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية، كان ذلك الإعلان نقطة تحول في التاريخ الحديث للمنطقة بأكملها.
بعد إعلان التوحيد، شهدت البلاد مرحلة جديدة من ترسيخ الأمن الداخلي، فالجزيرة العربية التي عانت طويلًا من الاضطراب كانت بحاجة إلى يد حازمة توقف الاعتداءات وتؤمّن الطرق للحجاج والتجار والمسافرين، أرسل المؤسس العديد من الحملات لنشر الأمن وحفظه، فشعر الناس لأول مرة أن هناك قوة تحميهم ونظامًا يرعاهم، ومع الأمن، عاد الاستقرار، وترسخت الوحدة، فكانت أساسًا متينًا تقوم عليه العديد من جوانب النهضة.
النهضة التي شهدتها المملكة
اليوم الوطني مناسبة نستذكر ونعتز فيه بملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه، فهو القائد الذي وحّد الأرض وجمع القلوب، وأطلق مسيرة وطنية أصبحت عنوانًا للاستقرار والنهضة.
قفزت البلاد في عهده قفزة حضارية ناجحة وشهدت البلاد نهضة شملت ميادين مختلفة من أمور الحياة، ومن تلك الميادين الأمن وتنظيمه، فقد كان هدف قادة الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود هو نشر الأمن وحفظه، ويشهد التاريخ على ما بذله قادتنا من جهود عظيمة لتحقيق ذلك، فكانت ولازالت السعودية على مر القرون مضرب المثل في رسوخ الأمن واستقراره، ولقد اتبع الملك عبدالعزيز أثر آبائه وأجداده في نشر الأمن، فاهتم بتحقيق الأمن خلال مسيرته في توحيد البلاد، فقام بإنشاء مديرية الشرطة العامة عام 1344ه مربوطة بمدير الأمن العام، وإنشاء إدارات للشرطة مرتبطة بها في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، ويشمل ذلك قوى المشاة، وجنود المرور، والخيالة والآليات، وشرطة حماية الأخلاق، وكان من ضمن هذا الاهتمام الأمني إنشاء مدرسة للشرطة في عام 1354ه بهدف تخريج ضباط ومساعدي ضباط، وفي عام 1363ه تحولت مديرية الشرطة العامة إلى مديرية عامة للأمن، وبذلك توسعت مهامها ومسؤولياتها، وفي عام 1369م استحدثت تشكيلات وإدارات جديدة، ووضع رسالة وهدف واضح له «الأمن العام هو القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام، وتوفير أسباب الراحة العامة، بمنع الجرائم قبل وقوعها، وضبطها بعد ارتكابها، وتنفيذ كل ما يتطلب منها تنفيذه من أنظمة ولوائح وأوامر،» كما أسس جهاز يحمي السواحل وسمي حرس خفر السواحل في عام 1331ه، وفي عام 1370ه تشكلت وزارة الداخلية، ويشهد التاريخ على قوة هذه الأنظمة ومتن صلابتها وتطورها مع مرور الأيام وتحقيق الأمن ونشره بكل نجاح لأكثر من 95 عاما منذ أن بدأ طيب الله ثراه مسيرة التوحيد مقتفيا أثر آبائه وأجداده في منح الأمن أولى الاهتمام والتركيز وبذل وافر الجهود.
وشملت النهضة أيضا مختلف جوانب القضاء فسعى رحمه الله في تنظيم شؤون القضاء، فأسس المحاكم التي تستند إلى الشريعة الإسلامية، وعيّن القضاة، وأكد أن العدل هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة، كما أنشأ رئاسة القضاء وكتابة للعدل وربطها بالعديد من الدوائر القضائية كهيئة تمييز الأحكام والمحاكم الكبرى والمحاكم المستعجلة التي لكل منها اختصاصها.
وكما اهتم -رحمه الله- بالجانب الاقتصادي، وعمل على تنويع مصادر الدخل لتلبية الاحتياجات، كما نظم الأمور المالية تحت إدارة واحدة بدأت كمديرية المالية العامة ثم وكالة المالية العامة وفي عام 1351ه تحولت إلى وزارة المالية حيث تعددت مسؤولياتها وربطت بجميع الإدارات المالية في المملكة، كما أصدر أول نظام سعودي للنقد عام 1346ه، كما سك من الفضة الريال العربي السعودي ونصفه وربعه، وفي عام 1371ه أنشأ مؤسسة النقد العربي السعودي في منطقة جدة وفتح لها فروعا في المدن والأماكن الأخرى، وفي العام التالي 1372ه صدر مرسوم ملكي باعتماد جنيه الذهب السعودي عملة رسمية للمملكة، وصدرت أول عملة ذهبية سعودية باسم الملك عبدالعزيز في 3 /2 /1372ه، وللتيسير على الحجاج من عناء حمل العملات المعدنية أصدرت المؤسسة في نفس العام أول عملة ورقية.
وكذلك عمل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على توفير المياه وتطوير الزراعة، فبدأ تشجيع المزارعين ماليا وإمداد الخبرات الفنية لهم، وإرسال البعثات للخارج، واستقطاب الخبرات والاستعانة بهيئات متقدمة علميا لحل مشكلة نقص المياه لاستخراج المياه وتنقيبه وتحليته ولتطوير الزراعة، وكان من هذه الجهود الناجحة أيضا في هذا المجال هو إنشاء مديرية الزراعة في عام 1367ه للاهتمام بمجال الزراعة والمياه.
أما التعليم، فقد اعتبره المؤسس ركيزة النهضة، واهتم به منذ أن بدأ مسيرته لتوحيد مناطق البلاد، حيث شجع طلاب العلم واهتم بنشر المعرفة، كما أسّس الملك عبدالعزيز نهضة تعليمية قوية بدأت بإنشاء مديرية المعارف العمومية عام 1344ه/1925م لتكون اللبنة الأولى لتنظيم التعليم ورعاية شؤونه في المملكة، كما أنشأ العديد من المدارس في غضون أقل من ثلاثة شهور على إنشاء المديرية، فكان يخصص الملك عبدالعزيز للتعليم ميزانية خاصة كل عام، ولم يقتصر اهتمام الملك على التعليم الابتدائي، بل امتد إلى التعليم الثانوي بإنشاء المعهد العلمي السعودي عام 1345ه/1926م، وإرسال البعثات للدراسة في الخارج لتخريج متخصصين في علوم لا يتوافر تدريسها داخل البلاد، فكانت أول بعثة عام 1346ه، ثم التعليم العالي بافتتاح كلية الشريعة بمكة عام 1369ه/1949م، كما وجّه عنايته للتعليم المهني والصناعي بإنشاء المدرسة الصناعية بجدة عام 1367ه/1947م لتلبية الاحتياجات للكفاءات الفنية، وهكذا وضع الملك عبدالعزيز الأساس المتين لنظام تعليمي حديث شامل، جمع بين التعليم العام والعالي والمهني.
كما أولى رحمه الله جل اهتمامه لمجال الصحة فجعل تقديم الرعاية الصحية للمواطنين والقادمين لهذا البلد المعطاء في مقدمة أولوياته، فأسس مصلحة الصحة العامة عام 1343ه في مكة المكرمة، وافتتح لها فروعا في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، وكان من مهامها الإشراف على تنظيم الشؤون الصحية في الداخل ومتابعة المسائل الصحية في الخارج، وفي عام 1344ه أُنشئت مديرية الصحة العامة والإسعاف للاهتمام بشؤون الصحة والبيئة وتنظيم ممارسة الطب والصيدلة وإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية في جميع أرجاء المملكة، ومع اتساع الخدمات الصحية وزيادة المستشفيات والمراكز، تأسس المجلس الصحي العام ليكون الجهة العليا المشرفة على تطوير القطاع الصحي ومكافحة الأوبئة وتطوير الخدمات الصحية، ومع الحاجة إلى جهاز متخصص يقود هذا المجال، صدر المرسوم الملكي عام 1370ه/1951م بإنشاء وزارة الصحة، التي مثّلت نقلة نوعية في نهضة المجال الصحي.
الملك عبدالعزيز رمز خالد في وجدان الوطن والتاريخ
هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة وأول ملوكها والحاكم الرابع عشر من أسرة آل سعود، وُلد في الرياض يوم التاسع عشر من ذي الحجة عام 1293ه الموافق للرابع والعشرين من ديسمبر 1876م. نشأ في كنف والده، وتربى على معاني العزيمة والشجاعة والكرم ، فحمل في قلبه توحيد المنطقة من الشتات والفرقة، وسعى إلى ترسيخ وطن آمن ومستقر.
في سنوات شبابه الأولى، مضى بعزم لا يلين حتى استرد بلد آبائه وأجداده باستعادة الرياض، لتكون بداية مرحلة جديدة في مسار التاريخ. ومن تلك اللحظة انطلقت مسيرة التوحيد، التي انتهت بقيام المملكة العربية السعودية؛ دولة راسخة تستند إلى الإيمان، وتقوم على العدل، وتمنح أبناءها الأمن والاستقرار والرخاء.
في هذه الذكرى يستحضر السعوديون سيرة القائد الفذ الذي أرسى قواعد الوطن، ورسّخ قيم العدل والوحدة، وجعل من الإنجاز واقعًا يتواصل أثره عبر الأجيال. إن استحضار هذه السيرة في كل عام هو الشاهد على أن الأمس كان أساسًا لنهضة اليوم، وأن الحاضر امتداد لعزيمة تأسست لتبقى، ومسيرة ماضية نحو مستقبل يزداد ثباتًا ورسوخًا.
والمتأمل في سيرة الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - يتبيّن له ما يتميّز به الملك عبدالعزيز من صفات قيادية ناجحة؛ فهو أنموذج ومدرسة متكاملة في القيادة، إذ وحّد – رحمه الله – المملكة العربية السعودية ورسّخ دعائمها، وأرسى ركائز نهضة وطنية خالدة. عُرف الملك عبدالعزيز بشخصيته القيادية الاستثنائية التي مازالت حية في ذاكرة الأجيال، تميز بحسم القرار ورجاحة البصيرة، مقرونتين بقدرة على ملامسة حاجات الناس وفهم تطلعاتهم، كما عُرف بسخائه وكرمه الواسع، وقربه من الناس وعدله في الحكم، فقد كانت أبواب قصره مفتوحة للفقراء والمحتاجين، ولم يُعرف عنه يومًا أنه ردّ سائلًا، وكان من أقوال الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- «لأني أرى الكبير فيكم كأبي، والوسط كأخي، والصغير كابني إن الذي أقوله هو الذي أعتقده، والله على ما أقول شهيد».
جمع –رحمه الله – بين الحزم والعدل والرحمة، وعرفه الناس قائدًا شجاعًا، وأحبوه إنسانًا كريمًا وعادلًا، أقام الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه– العدل بين الناس بلا تمييز، وأرسى قيمة الكرامة الإنسانية كأساس للحكم، ففي مجالسه -رحمه الله- كان يستمع إلى الصغير والكبير، وفي معاركه كان يتقدّم جنوده، لا يتركهم يواجهون المصير وحدهم، فأرسى أسس دولة راسخة في قيمها، ثابتة في توجهاتها، وماضية بثقة نحو المستقبل. امتلك الملك عبدالعزيز -رحمه الله- رؤية حكيمة تجاوزت حدود المكان والزمان واستوعبت التحديات، ووحد على أساسها وطنًا متينًا يرتكز على الثبات في القيم والقدرة على التطور والتقدم. فترسخ في الوجدان رمزًا للوحدة، وشهدت سيرته على مرحلة التوحيد التي منحت المملكة العربية السعودية مكانتها الراسخة بين الأمم.
الهوية الوطنية
مستحضرون في هذا اليوم تاريخنا العريق وماضينا المجيد، وجذور الهوية الوطنية السعودية الراسخة التي توارثها الأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل، مستشعرين العلاقة المتينة بين أبناء الوطن وقيادته؛ علاقة أصيلة امتدت لأكثر من ثلاثة قرون، تعكس وحدة الصف وصدق الولاء. وفي هذه المناسبة العزيزة نُجدّد الاعتزاز بما حققه ولاة أمرنا من إنجازات متوالية، وبما ننعم به من تلاحم وطني ونسيج مجتمعي متماسك، ووحدة راسخة، وبناء متواصل، وأمن وأمان واستقرار. إنه يوم نستحضر فيه أمجاد الماضي وجهود الرواد، ونباهي بحاضرٍ مزدهر، ونستشرف مستقبلاً واعدًا تلوح بشائره في أفق الوطن.
ويمثل اليوم الوطني مناسبة وطنية يعبّر فيها الجميع عن الفخر والاعتزاز بهذا الوطن العظيم، والهوية الوطنية السعودية الأصيلة المتجذرة عبر التاريخ، معتزّين بالإنجازات والبطولات التي سطّرها التاريخ، ومستشعرين النعم العظيمة التي أنعم الله بها على وطننا المبارك، من نعمة الأمن ووحدة الكلمة والتلاحم الوطني، مستحضرين فيه جهود الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في توحيد البلاد ونهضته وتطوره، لقد أسّس الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه– هذا الوطن العظيم على أسس الوحدة والعدل، لتأتي الأجيال بعده مواصلةً مسيرة البناء والتطوير.
واليوم ونحن نعيش الذكرى الخامسة والتسعين لتوحيد المملكة العربية السعودية، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله- شهدت المملكة العربية السعودية نهضة كبيرة وقفزة حضارية في شتى المجالات ومختلف الميادين وفق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي وضعها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، كما أولت رؤية المملكة 2030 عناية كبيرة بتعزيز الهوية الوطنية، فأعدت العديد من البرامج للتعزيز بالهوية الوطنية وقيمها، والحفاظ على التراث والثقافة.
رؤية 2030.. مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا
تهدف رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، إلى تحقيق مستقبل أفضل وأكثر إشراقا للمملكة العربية السعودية وطنا وشعبا، وترتكز الرؤية على ثلاثة ركائز رئيسة: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح. ونشهد منذ انطلاقة الرؤية المباركة رؤية المملكة 2030 على الإنجازات المتتالية العظيمة محليا وعالميا. رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وضعت أمامنا ملامح مستقبل أكثر إشراقًا، وأسست لحاضر يزداد نموًا وازدهارًا. رؤية طموحة استثمرت ثروات الوطن المتنوعة؛ من طاقات بشرية متقدة، وموارد طبيعية وافرة، وخبرات واسعة، لتجعل من المملكة وطنًا رائدًا في شتى الميادين ومختلف المجالات، ونموذجًا متميزًا بين العالم. وها نحن اليوم نسير على خطى هذه الرؤية بخطوات واثقة، مستندين إلى تاريخ راسخ وإرث عظيم، ومؤمنين بقدرات وطننا الكبيرة التي تفتح لنا أبواب المستقبل نحو نهضة شامخة ومكانة متقدمة.
وتبقى الثروة البشرية هي محور هذه الرؤية وعمادها، إذ تنطلق من إيمان راسخ بأن الشعب الطموح هو القوة الأولى، وهو الذي يساهم في بناء مجتمع حيوي، يشكل قاعدة صلبة لاقتصاد متين، ويقود وطنًا يتطلع دومًا إلى آفاق أوسع. تلك هي الركائز التي تقوم عليها رؤية 2030، وتنبثق منها مسيرة التحول نحو غدٍ أكثر تقدمًا وازدهارًا.
منذ أن أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- عن رؤية المملكة 2030، والوطن يسير بخطى واثقة نحو مستقبل يزهو بالمنجزات ويزدان بالطموحات؛ تسعة أعوام مضت منذ انطلاق الرؤية، حملت في طياتها تحولات غير مسبوقة، وضعت المملكة في مصاف الدول الرائدة عالميًا، وأكدت أن الطموح السعودي لا يعرف حدودًا.
يشير التقرير السنوي الأخير حول أداء الرؤية لعام 2024 إلى النجاح في تحقيق معظم مستهدفات الرؤية بل بعضها تجاوزت الأهداف المرصودة لها للعام 2030 قبل موعدها المحدد، فقد نجحت المملكة في تحقيق قفزات اقتصادية بارزة، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وغير النفطي نتيجة لنمو العديد من الأنشطة الاقتصادية واستمرار توسع الاستثمار في القطاعات غير النفطية، وتراجع معدل البطالة بين السعوديين إلى 7٪ متجاوزًا مستهدف 2030، كما يواصل الاقتصاد السعودي تعزيز حضوره بين أكبر الاقتصادات العالمية بفضل استقراره ونموه المستمر والالتزام بهدف تنويع مصادر الاقتصاد الذي نتج عنه توسعًا ملحوظًا في القطاعات غير النفطية، مما عزز مساهمة القطاع الخاص وزاد من قدرته على خلق فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات.
وقد شهد عام 2024 إضافة 438 مبادرة جديدة، ليرتفع إجمالي المبادرات إلى أكثر من 1500 مبادرة، اكتمل منها 674 مبادرة، بينما تسير 596 مبادرة على المسار الصحيح. كما حققت مؤشرات الأداء نسبة إنجاز بلغت 93٪ من المستهدفات السنوية أو قاربت على تحقيقها بنسبة تتراوح بين 85٪ – 99٪، وهو رقم يعكس قوة التنفيذ.
وعلى الصعيد الاجتماعي، ازدهرت جودة الحياة للمواطن، إذ ارتفعت نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن إلى 65.4٪، متجاوزة مستهدف عام 2024. كما شهدت المملكة تسجيل 8 مواقع تراثية في قائمة اليونسكو قبل موعدها المستهدف، إضافة إلى قفزة في عدد المتطوعين الذي تجاوز 1.2 مليون متطوع.
وفي خدمة ضيوف الرحمن، حققت المملكة رقمًا قياسيًا بعدد المعتمرين القادمين من خارجها، مسجلة 16.9 مليون معتمر خلال عام 2024، ما يجسد عمق العناية بضيوف بيت الله الحرام وامتداد الرسالة الإسلامية للمملكة.
وهذه الإحصاءات دلائل على نجاح الرؤية، حيث تجاوزت المملكة العديد من مستهدفات 2030 في أقل من عقد، ما يرفع سقف الطموحات لمستويات أكبر.
مع انطلاق المرحلة الثالثة في عام 2026، يتجدد العزم لمضاعفة الجهود، واستمرار التناغم بين الاستراتيجيات الحكومية وبرامج الرؤية، واقتناص فرص النمو ليُفتح بذلك نطاق أوسع للنمو والازدهار ووضع أسس راسخة للتنمية المستدامة، وبناء قاعدة صلبة تمتد آثارها وتبقى إلى ما بعد عام 2030.
عراقة الماضي وامتداد للحاضر والمستقبل
الاحتفال باليوم الوطني استحضار لتاريخ المملكة العربية السعودية، وافتخار بإنجازاتها وبطولاتها، ومصدر إلهام للمستقبل. فمن يتأمل مسيرة المؤسس، يرى أن التحديات لم تُثنه عن حلم توحيد البلاد، ومن يتأمل رؤية 2030، يدرك أن المملكة تواصل ذات النهج: إرادة صلبة، وطموح لا يعرف المستحيل.
بكل فخر واعتزاز نحتفي بهذا اليوم العظيم مستحضرين جهود حكامنا في تأسيس وتوحيد هذا الوطن الغالي، معبرين عن ولائنا واعتزازنا بالانتماء له، ويجتمع الجميع على كلمة واحدة: أن المملكة العربية السعودية التي توحدت بفضل كفاح المؤسس -طيب الله ثراه-، وتواصلت فيها مسيرة النمو والازدهار بقيادة الملوك من بعده، تستعد اليوم لتكون في مقدمة الأمم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-.
كتبه: محمد بن عبدالعزيز السماري / أعدته للنشر: نوال الجبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.