يواصل معرض "روايات مسكوكة: إرث السعودية في العملات" في المتحف الوطني السعودي بحي المربع بالرياض، حضوره الجماهيري، بعد أن افتتحته هيئة المتاحف يوم الأربعاء "17 سبتمبر" الماضي، ويستمر حتى "16 ديسمبر" المقبل، حيث شارك في افتتاحه نخبة من الشخصيات البارزة والمهتمين بالتاريخ والثقافة والاقتصاد ورجال الإعلام. وشهد المعرض مسيرة أكثر من "1300 عام" من التحولات التاريخية والفنية والاقتصادية التي وثّقتها العملات، منذ العصور السابقة للإسلام وحتى الريال السعودي الحديث، فقد قدّمت المسكوكات عبر العصور سجلاً حيّاً يعكس تطوّر المجتمعات ونشوء الدول وتغيّر الأنظمة الاقتصادية والسياسية، لتصبح شاهداً مادياً على الهوية الوطنية وذاكرة جماعية للأمة. وعبرت السيدة منى عابد خزندار، مستشارة وزارة الثقافة في هيئة المتاحف بقولها: "إن هذا المعرض يمثل معرضًا مهمًا للروايات المسكوكة، والتي تمثل توثيقاً بصرياً وزمنياً لمسيرة المملكة والعالم الإسلامي عبر النقد والسكّ، فالعملات تحمل في طياتها رسائل تاريخية ودينية وثقافية، واجتماعية، وهي شاهد على ازدهار الحضارات ووحدة الأمم، ثم على مسيرة الدولة السعودية في التأسيس والتوحيد والتنمية، هذا المعرض يتيح للجمهور فرصة نادرة لقراءة تاريخنا من منظور جديد: منظور النقد كوثيقة حضارية لا تقل أهمية عن المخطوطات أو الآثار". ويضم المعرض مجموعة استثنائية من العملات والمسكوكات النادرة من مقتنيات الدكتور آلان بارون، أحد أبرز جامعي العملات التاريخية، إلى جانب مختارات فريدة من مجموعة وزارة الثقافة، كما يقدّم أعمالاً فنية معاصرة بمشاركة الفنان زيمون الذي استلهم من رمزية النقود ودلالاتها البصرية، وذلك ضمن تصميم سينوغرافي مبتكر أبدعه غيث أبو غانم وجاد مالكي وفرح فياض، وبمشاركة الدكتور نايف الشرعان المتخصص في تاريخ العملات الإسلامية، حيث تم دمج المشاهد الفنية والمعمارية لتجسيد أزمنة مختلفة في قاعة واحدة. ويتوزع المعرض على سبعة أقسام رئيسة: "العملات ما قبل الإسلام" بما حملته من رموز ودلالات عن طرق التجارة والسلطة، ثم "نشأة العملات الإسلامية وتطورها" التي جسّدت وحدة الحضارة الإسلامية وتنوّعها عبر العصور، يليها محور "النساء في العملات" الذي يبرز حضور المرأة في الذاكرة النقدية، وقسم "العملات الحِرَفية: سكّ الفن والثقافة" الذي يوضح تداخل البعد الجمالي مع الوظيفة الاقتصادية للنقود. كما يضم المعرض قسماً عن "كنوز وعملات المملكة العربية السعودية" التي تروي قصة التوحيد وبناء الدولة الحديثة، إلى جانب "العملات والفن المعاصر" حيث تتحول النقود إلى مصدر للإبداع، ويُختتم المعرض بمحور "العملة التي لم تُسك" الذي يثير تساؤلات حول الرمزية والمفهوم قبل أن يكون للنقد حضور مادي. ويواكب المعرض برنامجًا ثقافيًا ثريًا يتضمن ندوات وورش عمل وحوارات متخصصة، إضافة إلى أنشطة تفاعلية للأطفال والعائلات، وبرامج موجهة للأشخاص ذوي الإعاقة بالتعاون مع هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، والمعهد الملكي للفنون التقليدية ورث، بما يجعل المعرض تجربة شاملة تجمع بين المعرفة الثقافية والمتعة البصرية. وأكدت هيئة المتاحف في ختام الافتتاح أن تنظيم معرض "روايات مسكوكة" يأتي ضمن رسالتها في صون التراث الوطني وتقديمه برؤية معاصرة تعزز من حضور المملكة على الخريطة الثقافية العالمية، وتواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 في بناء مجتمع معرفي متجذّر في تاريخه، ومنفتح على الحوار الثقافي والإنساني. والمسكوكات شواهد حيّة على الهوية والسيادة والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي صنعت ملامح المملكة والعالم الإسلامي عبر القرون الماضية.