بإطلالة اليوم الوطني الخامس والتسعين للمملكة العربية السعودية، تتجدد مشاعر الفخر والاعتزاز بمسيرة وطنٍ عظيم صاغ تاريخه بالعمل والإيمان، منذ أن أسّسه المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – الذي أرسى دعائم التنمية الشاملة والمستدامة، وكان القطاع المالي أحد أبرز ركائزها. فمنذ توحيد المملكة عام 1932، مرورًا بعهد أبناء المؤسس الملوك البررة –رحمهم الله– وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله– والمملكة تشهد نهضة متسارعة، وتطورًا شاملًا في مختلف المجالات، ما أسهم في تعزيز مكانتها إقليميًا وعالميًا. وقد تَجلت هذه المسيرة في الرؤية الطموحة التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء –حفظه الله– والتي جعلت من القطاع المالي محورًا استراتيجيًا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتمكين التحولات الكبرى، وتعزيز كفاءة الإنفاق، وتنويع مصادر الدخل، ودعم الاستثمارات المحلية والأجنبية، إضافة إلى تمكين القطاع الخاص ورفع مستويات الشفافية والمساءلة. واليوم، يحتفي الوطن بإنجازات اقتصادية ومالية نوعية غير مسبوقة، كان لها أثر واضح في تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني، وجاذبيته، وقدرته على مواجهة التحديات. من بين أبرز التحولات والإنجازات التي شهدها القطاع المالي في المملكة العربية السعودية – والتي تعكس بوضوح نجاح رؤية المملكة 2030 واستراتيجياتها – التوسع الملموس في الأنشطة المالية، والتقدم الكبير في البنية التحتية الرقمية والفوقية للقطاع، بما يعزز متانته ويكرّس مكانته كأحد الركائز الحيوية للاقتصاد الوطني. وفي هذا الإطار، برز الدور المحوري للبنك المركزي السعودي (ساما) في تنظيم القطاع المالي والإشراف عليه، حيث شهدت المملكة توسعًا ملحوظًا في عدد المصارف العاملة، ليبلغ 38 بنكًا بنهاية الربع الثاني من عام 2025، منها 11 بنكًا محليًا و3 بنوك رقمية، ما يعكس مرونة القطاع وقدرته على التكيّف مع المتغيرات والتوجهات المستقبلية. وبلغ إجمالي موجودات القطاع البنكي نحو 4.8 تريليون ريال، فيما سجّل «حساب رأس المال» — الذي يشمل رأس المال، والاحتياطيات، والأرباح المتراكمة — نحو 615.9 مليار ريال بنهاية يوليو 2025، في دلالة واضحة على متانة الملاءة المالية وقوة المركز المالي للمصارف العاملة في المملكة. وفي سياق تطوير المدفوعات الإلكترونية، أطلق البنك المركزي الواجهة الجديدة لمدفوعات التجارة الإلكترونية، ضمن توجه استراتيجي يستهدف رفع كفاءة أنظمة المدفوعات وتعزيز مسيرة التحول الرقمي، في ظل نمو قطاع التجارة الإلكترونية بوتيرة متسارعة. فقد سجلت مبيعات التجارة الإلكترونية باستخدام بطاقات «مدى» نحو 29.9 مليار ريال سعودي حتى نهاية يوليو 2025، من خلال 149.7 مليون عملية، في مؤشر واضح على تنامي اعتماد الأفراد والمنشآت على الحلول الرقمية، وتقدم المملكة في مسار التحول إلى مجتمع غير نقدي. وامتدادًا للتطور الذي شهدته المدفوعات الإلكترونية ضمن مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي، أحد برامج رؤية السعودية 2030، حققت حصة المدفوعات الإلكترونية ما نسبته 79 % من إجمالي عمليات شهد قطاع التجزئة (الأفراد) في المملكة العربية السعودية تحولًا نوعيًا في سلوكيات الدفع، حيث ارتفعت نسبة المدفوعات الإلكترونية المنفذة في القطاع بنهاية عام 2024 إلى مستويات غير مسبوقة، مقارنةً بنسبة 70 % المسجلة في عام 2023، مقارنة بنسبة 18 % في عام 2016 ما يعكس تنامي الثقة بخيارات الدفع الرقمية وتوسع استخدامها على نطاق واسع. ويتواكب هذا الإنجاز مع الأداء القوي لأنظمة المدفوعات الوطنية، التي سجلت نموًا ملحوظًا خلال عام 2024، إذ بلغ عدد عمليات الدفع الإلكترونية غير النقدية نحو 12.6 مليار عملية، مقارنة ب 10.8 مليارات عملية في عام 2023، مما يمثل تسارعًا واضحًا في وتيرة التحول الرقمي في التعاملات المالية اليومية. وفي خطوة تُجسِّد التقدم التقني الذي تشهده المملكة في البنية التحتية للمدفوعات الرقمية، أعلن البنك المركزي السعودي عن إطلاق خدمة (Google Pay)، إحدى منتجات شركة Google العالمية، من خلال نظام المدفوعات الوطني «مدى»، ما يُعَدُّ مؤشرًا على عمق تكامل النظام المالي السعودي مع أحدث تقنيات الدفع العالمية. ويُعد هذا التحول الرقمي ركيزة محورية ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى رقمنة الاقتصاد الوطني، وتمكين حلول المدفوعات الرقمية باعتبارها أداة رئيسية لتحقيق الشمول المالي، ورفع كفاءة الخدمات المالية، بما يعزز من سرعة وسهولة وأمان التعاملات. ومن أبرز المنجزات في إطار التعاملات المالية الإلكترونية، ما تحقق في مجال التقنية المالية، حيث شهد القطاع نموًا قياسيًا في عدد الشركات المرخصة، لتقفز من 81 شركة في عام 2022 إلى281 شركة بنهاية أغسطس 2025، أي أكثر من ثلاثة أضعاف خلال أقل من ثلاث سنوات. وقد بلغت حجم الاستثمارات في شركات التقنية المالية نحو 9 مليارات ريال سعودي، مما يعكس ثقة المستثمرين في البيئة التنظيمية والتشريعية، ويؤكد قدرة المملكة على استقطاب وتمكين الشركات الناشئة والمتقدمة في هذا المجال الحيوي. أخلص القول؛ في اليوم الوطني ال 95، يتجلى نجاح القطاع المالي السعودي كأحد أبرز روافد التنمية الوطنية، وركيزة أساسية في بناء اقتصاد مزدهر يليق بطموح وطن يتقدم بثقة نحو المستقبل.