الاحتراق النفسي لم يعد مصطلحًا أكاديميًا باردًا، بل صار واقعًا يعيشه المعلم والمعلمة كل صباح. منظمة الصحة العالمية وصفته بوضوح: إنهاك عاطفي، تباعد عن العمل، وتراجع في الشعور بالكفاءة. في مدارسنا، أظهرت دراسات سعودية من جازانوجدة وبريدة أن مستويات الاحتراق النفسي لدى المعلّمين متوسطة إلى مرتفعة، خصوصًا بعد الجائحة حين تضاعفت الأعباء بين الحصة الصفية والمنصة الرقمية. ثنائية "الحصة والمنصّة" تلخص المشهد. فالحصة تعني فصولًا مكتظة وضغوطًا سلوكية وتربوية، بينما المنصّة تفرض ساعات طويلة من التوثيق والمراسلات مع أولياء الأمور، تمتد أحيانًا إلى خارج الدوام. دراسة سعودية حديثة أشارت إلى أن "احتراق المنصّة" قد يفوق "احتراق الحصة" في استنزاف المعلمات نفسيًا وزمنيًا. ويزيد المشهد تعقيدًا غياب العدالة في توزيع الأعباء وضعف الدعم الإداري في بعض المدارس، ما يدفع بعض المعلمات إلى دوائر التباعد المهني والفتور. الحلول ليست أحادية.. فرديًا، يمكن للمعلمة الاستفادة من تقنيات اليقظة الذهنية وإدارة الانفعال. لكن على المستوى المؤسسي، المطلوب أكبر: سياسات واضحة للمراسلات، وقت محمي للتخطيط، عدالة في توزيع الحصص، وتفعيل مجتمعات التعلم المهنية. الدراسات المحلية والعالمية تؤكد أن الدعم القيادي العادل قادر على تقليل مستويات الإنهاك حتى مع ارتفاع المطالب. المستقبل التعليمي في السعودية يقف أمام مفترق طرق.. إذا استمر الاحتراق في استنزاف الطاقات سنواجه غيابًا متزايدًا وتسرّبًا من المهنة. أما إذا أعيدت صياغة بيئة العمل لتوازن بين عبء الحصة والمنصة، فقد يتحول المعلم من "محترق" إلى "مُشعّ"، يقدّم تعليماً أكثر إبداعًا واستدامة.. وهنا يكمن الفارق بين تعليم يُرهق أصحابه وتعليم يصنع المستقبل.. دمتم بخير.