عندما أعلنت مايكروسوفت والذكاء الاصطناعي المفتوح الأسبوع الماضي أنهما وقعتا مذكرة تفاهم لإعادة هيكلة علاقتهما، لم يبال المراقبون كثيرا. تعديل آخر للشراكة وبيان آخر غير ملزم. لكن الأمر هذه المرة مختلف جدا. إنها اللحظة التي قررت الشركة الناشئة غير الربحية التي أعطتنا تشات (جي بي تي)، أن تصبح شركة عملاقة. تشير التفاصيل، التي ما زالت في طي الكتمان، إلى أن اتجاه الشركة العام أن تتحول لشركة ذات نفع عام بالكامل، مع احتفاظ الشركة الأم غير الربحية بحصة ضخمة من الأسهم، يقال إنها تزيد عن مئة مليار دولار. بناء على ذلك، قد تفقد مايكروسوفت، التي لا تزال شريكا أساسيا، شيئا من تفردها في الوصول إلى خدمات الشركة. تاريخيا، خطوات إعادة الهيكلة ليست جديدة. في العام 2015، نظمت قوقل نفسها لتصبح ألفابت، وهو ما طمأن المشرعين والمستثمرين وحرر المؤسسين لمواصلة الاستثمار في تحقيق طموحات جديدة. سمحت ألفابت لقطاع البحث والإعلانات في قوقل بمواصلة هدير ماكينتها لتوليد الأرباح دون أن تؤثر على مركزها المالي الآثار الجانبية من المشروعات الأكثر جرأة وخطورة مثل وايمو. كانت إعادة الهيكلة وسيلة للحصول على الشرعية للنمو الجريء والتخلص من القيود التشريعية والمؤسسية. تسير إعادة هيكلة الذكاء الاصطناعي المفتوح على خُطا قوقل لكن بوعود أكبر. على عكس جوجل في العام 2015، فإن الذكاء الاصطناعي المفتوح ليست كيانا بقيمة تريليون دولار يحمي هوامشه الربحية من التآكل، لكنها مركبة صاروخية بقيمة نصف تريليون دولار تستعد للإقلاع، تعد نفسها لكسب مصداقية وول ستريت وترسيخ الانضباط الذي تتوقعه الأسواق العامة. على أن مهمة الشركة غير الربحية الأم التي تعد بإفادة البشرية جمعاء تظل معلقة في الهواء، فإن الأمر ليس مرهونا بالمبادئ إنما بقوى السوق التي تضغط نحو زيادة رأس المال، وتوطيد الحوكمة، والنأي بعيدا عن تهم الاحتكار التي يلوح بها المشرعون. المفارقة قوية. تأسست الذكاء الاصطناعي المفتوح منفكة من قوقل لتكون ندا لها في هيمنتها على الذكاء الاصطناعي. لكن مر الوقت، فوجدت نفسها تسير على خُطا غريمتها: تغلف جوهرها الجامح بهيكل يستسيغه المستثمرون والمنظمون، لتصبح بعد طول انتظار عرضة لأن تلتهمها قوقل، لتكتمل الملحمة التراجيدية بعودة الابن الضال. في الذكاء الاصطناعي كما في محركات البحث منذ عقدين، يتضح لنا الدرس جليا. لا يكفي الابتكار بكل اختراقاته للبقاء، إنما يعتمد الأمر على البنية المؤسسية التي تغلفه أيضا. وصلت الذكاء الاصطناعي المفتوح إلى هذه اللحظة ليس لأمر أرادته لنفسها، إنما لكل ما حولها من قوى تدفعها لذلك. لا يمكن للبنية غير الربحية أن تحافظ على شركة جامحة تقدر بنصف ترليون دولار، ولا يمكن لشراكة مغلقة أن تصمد أمام مبضع المشرعين مهما تنوعت الحيل والحلول.