قبل فترة ليست بعيدة، كانت تشات (جي بي تي) تجربة متواضعة لكتابة المقالات والدردشة. صار اليوم الاسم اختصارا لتحول تقني شبيه بالتحول الذي أحدثه الهاتف الذكي في العقد الأول من الألفية. لكن كثيرا ما ننسى كيف ولد تشات (جي بي تي)؛ فهو لم يلد من فراغ، فهو بطريقة ما ابن كبر لينافس والده. بدأت القصة في تورونتو العام 2012، حين أذهل جيفري هينتون وطلابه العالم بنظام تعلّم عميق هزم منافسيه في مسابقة (إمج نت). اشترت قوقل شركتهم الناشئة، وضمّت إليها إيليا سوتسكيفر، أحد ألمع تلاميذ هينتون. أسس سوتسكيفر مع زملائه مشروع (قوقل برين)، مطورا البنى العصبية التي ستصبح لاحقا أساس النماذج اللغوية العملاقة. وفي الوقت نفسه، استحوذت قوقل على (ديب مايند) في لندن، لتهيمن على أهم مختبرات الذكاء الاصطناعي الواعدة. في منتصف العقد الثاني من الألفية، اقتنع وادي السيليكون أن قوقل ستكون أول من يصل لإيجاد ذكاء اصطناعي عام ينافس القدرات البشرية. أثار ذلك قلق بعضهم، ومنهم إيلون ماسك الذي حذر من خطر محدق عندما تمتلك شركة واحدة مفتاح التقدم. وافق هذا الرأي سام ألتمان الذي كان وقتها رئيساً لواي كامبنتور. مع غريغ بروكمان، والأهم إيليا سوتسكيفر الذي غادر قوقل لينضم إليهم، تأسست (أوبن أي آي) أو الذكاء الاصطناعي المفتوح في العام 2015. كان الهدف ضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي مصلحة الجميع، لكن الهدف الحقيقي كان كسر احتكار قوقل. كان إطلاق تشات (جي بي تي) في أواخر العام 2022 نقطة تحول مهمة. قدم المؤسسون ما حجبته قوقل عن الناس: واجهة حوارية مجانية وعامة مع نموذج لغوي قوي. المفارقة أن باحثي قوقل هم من ابتكروا نماذج التحول اللغوي، لكن الإدارة ترددت في طرحها خشية أضرار تنظيمية تؤثر على أسهم الشركة ونشاطاتها الأخرى. خطفت (أوبن إيه آي) الفرصة، وفاز باللذة الجسور. لم يختف تأثير قوقل تماما. ورثت (أوبن إيه آي) أساليب قوقل وبنيتها ومفهومها للأمان عبر هينتون و(ديب مايند). لكن بعد النجاح الكبير، أصبحت الأهداف القديمة لا تناسب الفرصة المستقبلية. بينما تعيد مايكروسوفت و(أوبن إيه آي) التفاوض على شراكتهما، تسابق قوقل الزمن مع منتجها جيميناي. بينما أنثروبك التي أسسها منشقون عن (أوبن إيه آي)، تطرح نفسها خيارا أكثر أمانا. تشظى المشهد قليلا، لكن الحمض النووي الفكري ما زال ملتفا حول مجموعة من الباحثين في تورونتو وماونتن فيو. تشير القصة التي مازالت تكتب اليوم إلى أن الثورات التقنية ليست بيد العبقرية المنعزلة إنما بالاندماج مع الصناعة والبيئة المؤسسية. امتلكت قوقل المعرفة لكنها ترددت في إطلاق المنتج، وامتلكت (أوبن إيه آي) الجرأة بتقديم شيء فوضوي، جذّاب، ومؤثر. هكذا تحوّل سرد الذكاء الاصطناعي من عملاق البحث إلى شركة ناشئة في سان فرانسيسكو.