الوقت عصراً.. أنا أمارس رياضة المشي، في الوقت الذي كان هناك أناس يجوبون المقبرة المجاورة لإعداد مقر يحتوي جسد أحد الراحلين.. رجل في منتصف العمر أو أقل.. يتعزز داخلي شعور يتعاظم بالخيبة الموت يغادر المقبرة.. بحثاً عن ضحية جديدة، خشيت أن أكون أنا.. أحاول الهرب.. لكني تجاسرت؛ وانتظرته -وسط رعبي القاتل- مرتبكاً أمطرته بالأسئلة: لماذا تتمادى في إغاظتنا بتقويض كل شيء حولنا؟ ماهذه القدرة على جعل الهذيان مهيمن علينا بفجاجة؟ رد علي بلطف: لم كل هذه الجفوة؟! قلت: حين تخطف روحاً فأنت هنا أشبه بموعد قاسي بين (وردة ومقصلة)، قال لي: ما أفعله مبرر؛ فأنا قنطرة بين عالمين. صرخت في وجهه: أنت تُعمق جرح شعورنا بالنفي والانبتات رد ببرود: أنا فقط أحدث انسلاخاً بسيطاً يؤدي بكم أنتم الأحياء إلى صحراء اللامعنى.. لكي تتعظوا.. وتعودوا عن غيّكم.. ويصف فعلته: يحدث ذلك ببساطة فأنا أغمس ريشتي البالية في نهر حياتكم. أغاظني رده: أنت تحيل اللحظات علقماً مراً.. عاد ليؤكد لي (ضاحكاً): أفعل ذلك لكي أُنبتَ فيكم عاطفة عدوانية تجاه الحياة وزخرفها، * الحياة قادرة على تجميل كل شيء حتى التفاهات؛ أما أنت فقادر على جعل كل شيء كئيب جداً حتى الأشياء التي لاتقاوم -هكذا جاء ردي الحانق-. ثم أردفت: لا شيء يحيلنا من حالمين إلى شديدي الواقعية أكثر من مخالبك الغليظة.. وحدك تهوي بنا إلى أغوار صامتة، مهزومين، وراضين بالخيبة، شيء لا متحقق، بقايا أسئلة، أرواح مثقوبة، فردوس من البلادة، حيرة مبتذلة، تساؤلات لاتجدي..! حين تحضر؛ لا نعرف هل نحن نرثي الراحلين أم نبكي أنفسنا التي تنتظر المصير ذاته بخوف وترقب ووجل..؟ ألا تعلم أنك حيرة الإنسان الكبرى؟ وأنك جدلية الحياة التي لايمكن فهمه، سؤالاتنا في حضرتك بلهاء: متى، أين، كيف، لماذا؟ لحظتك مذهلة وتتعاظم حين يكون الفقد (طيبة إنسان). فلمَ تُعمق جرح شعورنا بالنفي؟ قال لي ببرود: أنا فقط أحدث انسلاخاً بسيطاً يؤدي بكم -أنتم الأحياء- إلى صحراء اللامعنى.. لكي تتعظوا.. وتعودوا عن غيّكم ويصف فعلته: يحدث ذلك ببساطة فأنا أغمس ريشتي البالية في نهر حياتكم أصرخ في وجهه: أنت تحيل اللحظات علقماً مراً.. يؤكد ضاحكاً: لكي أنبت فيكم عاطفة عدوانية تجاه الحياة وزخرفها، حاولت أن أشرح له أننا في كل مرة نودع ميتاً وسط فجيعة عظيمة !! لكني اصطدمت بقناعاته: هذا دوري وقد خلقت لهذا.. وزادني ألماً قوله: أنا أستمتع بما أفعل.. ولا سبيل أمامكم إلا أن تستمتعوا معي أو البقاء في خنادق رعبكم.. هنا شعرت برغبة جامحة في الإنصات لأشجار المقابر التي هي حتماً تثرثر عن (الموت)؛ فوجئت أنها هي الأخرى موجوعة تولول بالقول: التصالح مع فكرة الموت هو التصالح مع المستحيل.