نحو السعي الأمثل في قراءة نصوص التاريخ لا بد من المضي قدمًا في صنع أصالة لها مركزيتها وتمثلها نحو إيجاد منظومة تخدم الإنسان كإنسان يستمر في إنسانيته الطبيعية لا إنسان آخر تتجنبه الطبيعة قبل أن يبتعد عنها هو، لأن أصل الأشياء في جوهرها لا في ظواهرها أو صورها، فالحكاية تبدأ في رحلة الذاكرة من جذورها والقراءة تتسع نحو حاضرنا كي نسلك طريقها. فمن الناس من يفهم فهمًا مغايرًا؛ إذ يقول إن الماضي انتهى واندثر، فنقول له إن الماضي لا ينتهي إطلاقًا هو كامنٌ في الحاضر ومسافرٌ نحو الزمان الآتي أي المستقبل. فقط حين تتدثر الحكايات وتكون صنواً في تطورها وتبلورها على عهدٍ جديد، حينها تعيش على حالة من طبيعة الزمان الجدلي أي في تحركه وسجاله بين ثلاث حالات متشابهة من مراحله المتشابكة بين بدء وجوده حتى انتهاء آخر لحظة زمنية من وجوده الديالكتيكي. فالمسألة لها أبعاد وتجذرات وفق صيرورة المرء حين يستشعر حالته الاستشراقية غير واهمٍ بشيء آخر وكأن سنواته التي عاشها كانت واحدة لا مفارقة ولا ازدواجية في الشعور البنيوي، ويصور نفسه في منظومة متمثلة بأخلاقٍ متباينة طورًا متناهٍ وأخرى يعيش في كنفها لا ينتظر نهايتها، وعلى هذا النحو يعيش الإنسان بين الحاظ السكون يتدثر في عالم اللحظة الزمنية؛ مثله كمثل القارء النجيب الذي يعيش بين سطور النص ولا يريد الخروج منه؛ بل يعيش هذه الأشواق مترنمًا نحو الكلمات كأنها شخوص قائمة تحاكيه وتستجيب له وتسمع صوت ندائه وتقرأ ذاكرته. فالدخول في أعماق الطبيعة الوجدانية تخلق لك تأملًا وعالمًا واسعًا من المعرفة، (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًاۗأَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ). هي رحلتك في ذاكرة المعارف وسفرًا لا ينتهي كأنك في حالة استشراق دائم لا تنتظر فيه غروب يومك؛ بل سيكون عقلك فعالٌ ومفتعلٌ في آنٍ واحد؛ كالمد والجزر. فالنظر الواسع صوب مجريات العالم وقراءة المشهد قراءة آنية ستتنبأ كثيرًا من الفرضيات والتنظير، والشيء المؤلم أن ذهننا يصور لنا أن الحياة متوقفة على صورةٍ واحدة، ولكن في أغوار الأشياء صورة أخرى قد تكون مغايرة تمامًا أو مثالية، وهذا الأمر لا يكون متمثلًا في الذهن؛ إلا في حالة حضور الذاكرة؛ حين تجد صداها مستنطقة جل إحداثيات التاريخ، فكل ما تجده من مرويات أو حوادث أنت عايشتها أو شاهدتها من خلال الصور أو التلفزة أو الدخول في المعرفة السيسيولوجية؛ سوف تدرك يقينًا أن الوجود له طابع زمنيٌ واحد وأنه متعدد الأبعاد يسير وفق قانونٍ محكم، ليس بوسعنا اكتشاف ما فيه من أسرار؛ وإنما نسافر عبر فضائه الواسع؛ كجريان السفينة في البحر، أو ليس البحار والمحيطات عالمٌ واسع، والقبطان ورفاقه يجددون السفر في لججه رغم كل ما فيه من أهوال؛ لا يجنون من عالمه سوى القليل منه. لأن هذه الحياة المنتشرة وما تحمل لنا من معنى يُعطينا دافعًا نحو حب الاستطلاع المستمر، والخوض أكثر في سبر غور المعرفة؛ كي نجني بضعًا من ثمراتها.