شهدت مدينة جدة خلال الفترة من 15 إلى 18 سبتمبر 2025 انعقاد المؤتمر الثامن والعشرين لجمعية المكتبات المتخصصة – فرع الخليج العربي تحت شعار "نحو استدامة المعرفة والحفاظ على الثقافة والتراث: إدارة الوثائق النادرة والمخطوطات والموارد التراثية في عصر التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي"، وذلك بتنظيم الجمعية وبالتعاون مع هيئة المكتبات السعودية. وقبيل الافتتاح الرسمي للمؤتمر أقيمت ورشتان تدريبيتان؛ الأولى قدمها الدكتور حسن بصنوي بعنوان "رشاقة الابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي: أدوات ذكية للتفكير والتطبيق الذكي"، بينما قدمت الدكتورة نورة المالكي الورشة الثانية تحت عنوان "تقنيات الذكاء الاصطناعي في معالجة الوثائق والمخطوطات الرقمية". وقد شهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حضور سعادة سكرتيرة عام الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات "إفلا" السيدة شارون ميمس التي ألقت كلمة مطولة، كما ألقى رئيس الجمعية كلمة رحب فيها بالمشاركين، قبل أن يتم تكريم الرعاة وافتتاح المعرض المصاحب بحضور قيادات علمية ومهنية وشركاء من القطاع التجاري. واستهل البرنامج العلمي بمحاضرة رئيسية ألقاها سعادة الأستاذ الدكتور هشام محمود عزمي، رئيس الجهاز المصري للملكية الفكرية، بعنوان "الملكية الفكرية وصون التراث في عصر الذكاء الاصطناعي: بين حماية الماضي وصناعة المستقبل". وعلى مدى ثلاثة أيام استعرض المؤتمر ثمانين بحثاً ومداخلة وعرضاً علمياً توزعت على تسع عشرة جلسة علمية إضافة للجلسة الافتتاحية والختامية، بمشاركة باحثين من دول خليجية وعربية ودولية. أقيم على هامش المؤتمر معرض عالمي متخصص في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأنظمة المساندة لإدارة المكتبات والوثائق والمخطوطات والموارد التراثية، بمشاركة أبرز الشركات العالمية والإقليمية، واستقطب المعرض أكثر من أربعمائة مشارك من قيادات أكاديمية ومهنية وباحثين وطلبة. كما تضمن البرنامج زيارات وأنشطة ثقافية، منها جولة للمشاركين في جدة التاريخية في اليوم الأول، وحفل عشاء أقامته هيئة المكتبات السعودية في اليوم الثاني جرى خلاله تكريم رئيس الهيئة الدكتور عبدالرحمن العاصم بدرع تذكاري، إضافة إلى توزيع شهادات على المشاركين في برنامج "قيادة التغيير والابتكار في عصر التقنيات الناشئة"، والإعلان عن البحوث الفائزة بجائزة أكاديمية نسيج. وفاز الأستاذ عبد العظيم صبحي صقر عن بحثه "نظام متعدد الحواس لتصنيف المخطوطات العربية" المقدم في فئة المهنيين، فيما فازت الدكتورة آلاء جعفر الصادق والأستاذة الدكتورة هانم عبد الرحيم إبراهيم عن بحثهما "تطوير قاعدة معرفة ودمجها مع مساعد بحثي ذكي مبني على تقنية المحوّلات التوليدية GPT للمجموعات التراثية بجامعة الإسكندرية" المقدم في فئة الأكاديميين. وفي الجلسة الختامية التي عقدت يوم 18 سبتمبر أعلنت الجمعية العمومية عن حل جمعية المكتبات المتخصصة – فرع الخليج العربي استناداً إلى التصويت السابق في أغسطس الماضي، والشروع في تأسيس جمعية خليجية جديدة باسم "الجمعية الخليجية للمكتبات والمعلومات والأرشيف" (GALIA) وإعلان إشهارها من جدة ونقل جميع مهام وأصول الجمعية السابقة إليها. وتم إقرار النظام الأساسي للجمعية الجديدة واعتماد شعارها، كما أجريت انتخابات أول مكتب تنفيذي برئاسة الأستاذة شيخة المطيري من الإمارات، وعضوية الأستاذ عبدالله الصارمي من سلطنة عمان أميناً للمال، والمهندس عبدالله حواس من السعودية، والدكتورة إيمان الشمري من قطر، والأستاذة عذراء العلوي من البحرين، والدكتورة هنادي بوعركي من الكويت، والأستاذ محمد الحسيني من سلطنة عمان. وأشرفت على العملية الانتقالية لجنة برئاسة الأستاذ الدكتور حسن عواد السريحي وعضوية الدكتور نبهان الحراصي والأستاذ الدكتور حسين الأنصاري. وقد أعلن المؤتمر عن نشر كتاب "مكنز إدارة المعرفة" للأستاذ الدكتور حسن عواد السريحي والدكتورة ناريمان حمبيشي وإتاحته مجاناً للباحثين والطلاب، إضافة إلى إصدار كتاب أعمال المؤتمر عبر الموقع الرسمي. كما خلص المشاركون في نهاية الجلسات العلمية إلى مجموعة من التوصيات أبرزها التوازن بين حماية الهوية الوطنية والانفتاح على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتشجيع استثمار الأنظمة الذكية في إدارة المجموعات الخاصة ومعارض التراث، وتطوير الخدمات الرقمية للمخطوطات والوثائق النادرة، ودعم مبادرات الاستدامة في مؤسسات المعرفة، ووضع أطر ومعايير للحوكمة والتشريعات الخاصة باستخدام التقنيات الناشئة في هذا المجال، وتعزيز الوعي المجتمعي بحفظ التراث وتوثيقه، ومشاركة التجارب الناجحة في إدارة الموارد التراثية. وفي تصريح على هامش المؤتمر أكد الدكتور ماجد أبو شرحة، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وعضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العربي للمكتبات، أن الملتقى يمثل فرصة نوعية للمتخصصين في مجال المعلومات والمعرفة وإدارة الوثائق، حيث جمع أكثر من ثمانين ورقة علمية ومعرضاً متكاملاً في تقنيات المعلومات والذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أن مشاركة طلاب الدراسات العليا والبكالوريوس في تقديم أوراق علمية تعكس عمق الاهتمام بهذا القطاع الحيوي وتؤسس لمستقبل قائم على اقتصاد المعرفة. وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة مساعدة لا تلغي دور العنصر البشري، لافتاً إلى أن المملكة استثمرت بشكل واسع في تطوير بنيتها التحتية في هذا المجال من خلال إنشاء هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي وإدراج مناهج تعليمية متخصصة في المدارس والجامعات، إلى جانب الجهود الكبيرة لهيئة المكتبات في تطوير المكتبات العامة وترسيخ دورها في المجتمع. و سجل مؤتمر جدة محطة مفصلية في تاريخ الجمعيات الخليجية للمكتبات والمعلومات، إذ انتهت حقبة جمعية المكتبات المتخصصة – فرع الخليج العربي، لتبدأ حقبة جديدة مع إشهار جمعية "GALIA" التي تحمل على عاتقها مواصلة مسيرة العطاء وتطوير المهنة في دول الخليج، وسط دعم ورعاية المملكة العربية السعودية التي احتضنت هذا الحدث التاريخي.