الحدس شكل إدراكي مضبوط بدقة، وقد صمم لمساعدة الناس في المواقف الصعبة، بالإضافة إلى أن 85 % من الرؤساء التنفيذيين يستخدمون حدسهم عند اتخاذ القرارات، ومعهم الجيش الأميركي، الذي يتعامل مع الحدس بجدية، وهو في الوقت الحالي يعمل على تطوير القدرات الحدسية عند منتسبيه العسكريين.. الأبحاث النفسية تشير إلى عدم دقة الحدس أحياناً رغم قوته، ففي دراسة أجريت عام 2024 وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعتمدون على حدسهم وحده، وبدون تحليل منطقي، قد يتورطون في أخطاء أكثر، مقارنة بمن يستخدمون التفكير العقلاني بجوار الحدس، والسبب هو تركيز الأخير، في معظم الحالات، على استدعاء مخزون التجارب القديمة، والتي لا تقبل التطبيق على كل المواقف الجديدة، وأقبل بما قيل من حيث المبدأ ولا أتفق معه، ويعتقد المختصون أن حدس المرأة أعلى في مصداقيته من حدس الرجل وبنسبة 80 %، وبعض الفلاسفة الغربيين يرون أنه أدق من يقين الرجل، ومن وجهة النظر النفسية فإن التأثير على مزاج الشخص ونفسيته، في مرحلة ما قبل اتخاذ القرار مباشرة، قد تزعجه وتشوش عليه وتغير في قراره. فيما يخص حدس المرأة ومصداقيته العالية، فالمسألة ليست اعتباطية، والشاهد عليها دراسة أجريت في جامعة كامبريدج البريطانية عام 2017، شارك فيها قرابة 90 ألف شخص من الجنسين، عرضت عليهم صور مختلفة للعيون، وطلب منهم معرفة مزاج الشخص من عينيه في كل صورة، وكانت النتيجة تفوق النساء فيها على الرجال، وبفارق كبير، وأرجع الباحثون ذلك إلى مهارة المرأة في التقاط الرسائل العاطفية الدقيقة، التي يرسلها الآخرون بقصد أو بدون، وأنها تطورت تاريخيا عن طريق قيام النساء الأقل في المكانة الاجتماعية. بالاستغراق في ملاحظة الرجال والنساء من الطبقات النافذة والغنية، ومن ثم محاولة تفسير إشاراتهم غير اللفظية، حتى أصبحوا أكثر انسجاماً معها، والحدس إجمالاً، في رأي عالم النفس هيلبرت سايمن، يكون بإعطاء إشارة لكل موقف، وبما يجعل الشخص الخبير أو المجرب يعود إلى المعلومات الموجودة لديه في الذاكرة، عن الموقف نفسه أو الحالات القريبة منه، وما سبق يسهم في تقديم إجابات سريعة، وبدون إدراك أو وعي منه، فالعملية تتم في زمن قياسي. من الأمثلة الجيدة ما قدمه النفساني الآخر ديفيد مايرز، وفي رأيه، لاعبو الشطرنج المتمرسون، أو من يعرفون بالغراند ماسترز، يستطيعون القيام بمباريات شطرنج مع ثلاثين أو خمسين شخصا، في ذات الوقت، ولا يتوقفون أمام كل واحد من هؤلاء إلا لثوان قليلة، والأعجب أنهم لا ينشغلون بالنظر إلى القطع وتوزيعها، أو الاستراتيجية والتكتيك التي يعمل عليهما خصومهم، فهم يحركون قطع الشطرنج بشكل سريع، واعتمادا على حدسهم، وينتصرون في نهاية الأمر على كل منافسيهم، ومن الناحية العملية، لاعبو الغراند ماسترز في الشطرنج، يخزنون في عقولهم قرابة 50 ألف حركة، ويقضون حياتهم في تحليل حركات اللعب في الشطرنج، وبمجرد النظر لأول حركة يقوم بها خصومهم يمكنهم ببساطة معرفة طريقة الفوز عليهم بشكل لحظي، وتصبح حركاتهم بعد ذلك آلية. السابق يتكلم عن الحدس بوصفه مهارة يحصل عليها الشخص، من خلال الخبرة والتجارب المتراكمة، ولا توجد فيها أمور إعجازية على الإطلاق، ولكنها لا تعني عدم وجود إمكانية لسرقة أفكار الآخرين المحجوبة، وبأسلوب يدخل في دائرة الميتافيزقيا، وعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة روسيسكا غازيتا الروسية، في ديسمبر 2006، كلاما منقولا عن الجنرال الروسي السابق بوليس راتنيكوف، أنه عمل في وحدة خاصة بمخابرات روسيا، قامت في 1999 بالتجسس على عقل وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، قبل قيام حلف الناتو بقصف مواقع القوات الصربية، في يوغسلافيا السابقة، وقال إنه كان يعمل في تلك الأيام كمحلل بيانات داخل هذه الوحدة، وأنها كانت تعتمد على جواسيس لديهم قدرات ذهنية فائقة، تمكنهم من الاطلاع على أفكار الآخرين وتدوينها، وهم لا يحتاجون إلا لصورة أو مقطع فيديو للشخص المستهدف لإنجاز المهمة. في المقابل الميجور الأميركي السابق بول سميث، أفصح في مقابلة مع قناة أيه بي سي نيوز الأميركية، عن عمله كعضو في برنامج سري في ثمانينات القرن العشرين، يضم 25 عنصراً، مهمتهم التجسس على السوفيت، من خلال اقتحام عقولهم ورصد أفكارهم، وبدون تقنية أو برامج تجسس، وما قاله الرجلان موجود في أرشيف الصحيفة والقناة، ولم يتم تكذيبهما.. وفي رأيي الشخصي، ربما كانت هذه الأفكار الكابوسية المشابهة لفيلم إنسبشن، للنجم الهوليودي ليوناردو دي كابريو، الذي تم عرضه عام 2010، مجرد حرب نفسية بين البلدين. نشر موقع سيكولوجي توداي في يونيو 2024، للأكاديمية في جامعة يال الأميركية، إيما سيبالا، أو تحديدا من كتابها الذي يحمل اسم: السيادي، والمنشور في العام نفسه، أن المجتمع يقبل بالحدس، مع أنه من قبيل التفكير السحري، وتأكيدها عدم دقة هذا الافتراض، فالحدس شكل إدراكي مضبوط بدقة، وقد صمم لمساعدة الناس في المواقف الصعبة، بالإضافة إلى أن 85 % من الرؤساء التنفيذيين يستخدمون حدسهم عند اتخاذ القرارات، ومعهم الجيش الأميركي، الذي يتعامل مع الحدس بجدية، وهو في الوقت الحالي يعمل على تطوير القدرات الحدسية عند منتسبيه العسكريين، واسأل عن موقف المجتمع السعودي بمؤسساته العامة والخاصة من ذلك.