شهدت الساحة الرياضية السعودية خلال الأيام الماضية خبر إقالة إبراهيم القاسم من منصب الأمين العام للاتحاد السعودي لكرة القدم، ورغم الجدل الذي رافق القرار، إلا أن القراءة الموضوعية للمشهد تفرض أن نضع الأمور في إطارها الصحيح. إبراهيم القاسم، كغيره ممن تولوا مسؤوليات قيادية في القطاع الرياضي، خدم وطنه واجتهد، والمنطق يقول إن أي منصب داخل أي جهة يخضع لآليات تقييم أداء داخلية، وهذا أمر طبيعي ومتعارف عليه، ولكن النقاش الأهم هنا ليس في شخصه بل في المنظومة ككل، فمنذ سنوات، نردد أن تقييم العمل يجب أن يكون لعمل المنظومة والأفراد على حد سواء، ولو كانت المشكلة متعلقة بالأشخاص لوجدنا أن التغيير المستمر في الأسماء قد عالج الخلل، ولكن الواقع مختلف فما زلنا نشاهد في كل موسم مشكلات قانونية كبيرة تهز صورة كرة القدم السعودية من قضايا نزاعات اللاعبين والمدربين، إلى تضارب القرارات بين اللجان، إلى تأخر الحسم في ملفات حساسة، وهذه التكرارات تؤكد أن الخلل هيكلي يتجاوز الأشخاص أنفسهم، وأنه في ظل هذه البيئة يصبح المسؤول المُقال أو المُستقيل مجرد كبش فداء يُقدَّم لامتصاص الغضب أو لتمرير رسالة شكلية، بينما تستمر المنظومة بإنتاج نفس الإشكاليات. الأخطر من ذلك أن البيئة الرياضية قد تتحول إلى بيئة طاردة للكفاءات، بسبب ما يفرضه التعصب من تشكيك دائم في المسؤولين والتعامل معهم على أنهم أشخاص يُحاسبون بالنوايا والاتهامات، لا على أساس معايير مهنية أو تقييم موضوعي لأدائهم، وعندما تغيب أصول الموضوعية ويُستبدل النقد المهني بالتحريض العاطفي، فإن أي قيادي –مهما كانت كفاءته– سيجد نفسه محاصرًا في دوامة من الهجوم الشخصي بدلاً من النقاش حول جودة العمل. البيئة الرياضية لدينا تعاني من سمّية عالية، حيث يُغذّي التعصب الإعلامي والجماهيري حالة من انعدام الاحترافية في النقد والإشادة معًا فالتقييم يغلب عليه الانفعال، ويقوده الولاء للأندية لا للمعايير المهنية، وهذا المناخ يُصعّب مهمة أي قيادي، ويُرسّخ فكرة أن تغيير الأشخاص لا يكفي ما لم تُعالج جذور المشكلة وإقالة فرد ليست الحل الجذري، ولكنها مرآة لواقع أكبر وهو أننا بحاجة إلى إعادة الانضباط للعمل الرياضي، وحماية الكفاءات الوطنية من أن تتحول البيئة الرياضية إلى بيئة طاردة، حيث يحاكم الأشخاص بالاتهامات لا بالأرقام والإنجازات. محمد العمري