في خطوة تؤكد الدور الريادي للمملكة في حماية الفكر وتعزيز القيم، انطلقت أعمال مؤتمر "مسؤولية الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري"، الذي نظمته جامعة أم القرى، خلال الفترة من 25 إلى 27 أغسطس الماضي، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، ونيابة عنه، افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة مكةالمكرمة. يمثّل هذا المؤتمر المهم تجمعاً أكاديمياً يجسّد رؤية عميقة لتنسيق وصياغة الدور المحوري للجامعات، بوصفها حصناً فكرياً، ومنارة ثقافية وتعليمية تسهم في ترسيخ الأمن الوطني والفكري في نفوس طلابها وفي أوساط المجتمع بأسره. كما أن رعاية القيادة الحكيمة لهذا الحدث ترسل رسالة صريحة مفادها أن الاستثمار في الوعي الفكري هو حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك ومحصن ضد الأفكار الهدامة والسلوكيات المتطرفة. ويأتي المؤتمر ليضع استراتيجية وطنية واضحة تمكّن الجامعات السعودية من الاضطلاع بمسؤولياتها في مواجهة التحديات الفكرية المعاصرة، وتبادل الخبرات، وابتكار الحلول التي تعزز مناعة المجتمع وتصون نسيجه القيمي. وقد جاء تدشين منصتي "مستشارك" و"وعي" ليؤكد على هذا النهج العملي، فمنصة "مستشارك" تقدم الدعم والاستشارات المتخصصة في مجالات متعددة، مما يسهم في بناء شخصية متوازنة، ويعزز الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب، بينما تمثل منصة "وعي" خط الدفاع الأول ضد المخالفات الفكرية والسلوكيات السلبية، هذه المبادرات المبتكرة تشكّل نموذجاً حياً لكيفية تحويل الأفكار إلى أدوات عملية تسهم في بناء بيئة جامعية آمنة، وتدعم الجهود الوطنية في صون القيم وحماية العقول. المؤتمر تضمن خمس جلسات علمية وورش عمل، بمشاركة 24 متحدثاً من الأكاديميين والمفكرين والخبراء، تناولوا خلالها محاور جوهرية مثل جهود الجامعات في تعزيز القيم الإنسانية، ودورها في مواجهة التحديات الفكرية، ومسؤوليتها المجتمعية، بالإضافة إلى استشراف المستقبل في ضوء رؤية المملكة 2030. اليوم، تُدعى الجامعات السعودية إلى تجاوز دورها التقليدي كمؤسسات تعليمية، لتتحول إلى مراكز تسهم في بناء الإنسان، وحماية الهوية، وترسيخ القيم الوطنية والإنسانية. ولعل ما يميز هذا المؤتمر، إلى جانب التميز الأكاديمي الراسخ والبارز، هو الانتقال إلى حيز التطبيق من خلال مبادرات فاعلة ومؤثرة، بما يعكس أهمية تكامل الأدوار بين الجامعات ومؤسسات الدولة في صناعة الوعي وتحصين المجتمع ضد التحديات الفكرية والسلوكية. ويكتسب هذا الدور أهمية مضاعفة في ظل الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، وما تبثه من محتوى يُسهم أحياناً في تسطيح العقول، وتشويه المفاهيم، وتضليل القيم والمبادئ النبيلة، فضلاً عن ترويج الشائعات والتلفيق والأكاذيب، الأمر الذي يجعل من تعزيز الوعي مسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل. في ظل التحديات الفكرية التي يشهدها العالم اليوم، تبرز الجامعات السعودية كمكوّن استراتيجي في معادلة الأمن الفكري والاجتماعي، ومن خلال هذا المؤتمر، تتجلى إرادة وطنية واضحة في تمكين الجامعات من أداء هذا الدور الحيوي، عبر مبادرات نوعية، ورؤية استراتيجية، وشراكات متعددة القطاعات. ختاماً، فإن مؤتمر "مسؤولية الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري" لا يمثل حدثاً عابراً، بل هو حلقة في مسار طويل لبناء منظومة فكرية متماسكة، تشارك فيها الجامعات بدور محوري، كشريك فاعل في التنمية، وصمام أمان للمجتمع، وداعمة أساسية لتعزيز القيم وصون الهوية الوطنية.