يواجه العالم اليوم أزمة متفاقمة في المياه. الأنهار تجف، والآبار تنضب، والخبراء يتوقعون أن تكون الحروب القادمة على المياه. ومع تزايد عدد السكان، أصبح العالم يقول إن الأرض لم تعد تكفي للبشر، وأن الموارد الطبيعية لن تصمد أمام هذا النمو. وسط هذه التحديات التي تهدد مستقبل البشرية، برزت السعودية لتقدم مشروعًا غير مسبوق، مشروعًا إنسانيًا قبل أن يكون اقتصاديًا: تحلية مياه البحر. من دولة صحراوية تعاني شح الموارد المائية، تحولت المملكة إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم. اليوم يتجاوز إنتاجها اليومي 66 مليون متر مكعب، وبأقل استهلاك للطاقة عالميًا. هذا الإنجاز ليس مجرد بنية تحتية، بل ضمانة لاستمرار الحياة للأجيال القادمة. في عام 2024، أصبحت منظومة المياه المحلاة في السعودية مثالًا عالميًا. تمتلك المملكة 27 محطة تحلية، وتدير شبكة رئيسة تمتد لأكثر من 14 ألف كيلومتر. أما كفاءة الإمداد فقد بلغت 98.7 %، وهو رقم يعكس دقة الإدارة ونجاح الاستثمار. هذه الجهود جعلت السعودية تدخل موسوعة غينيس بعدة أرقام قياسية. فهي صاحبة أكبر منظومة تحلية في العالم، وتضم الرياض أكبر خزّان استراتيجي للمياه بسعة 11.5 مليون متر مكعب، وأكبر شبكة خزانات أرضية بسعة 8.97 مليون متر مكعب. ولم يتوقف الأمر عند التشغيل والإدارة، بل امتد إلى البحث والابتكار. في عام 2024 وحده، سُجلت أكثر من 60 براءة اختراع جديدة في تقنيات المياه، ونُشر 220 بحثًا علميًا، وجرى تنفيذ أكثر من 410 مشاريع ابتكارية. هذا الحراك البحثي جعل من السعودية مركزًا عالميًا لتطوير حلول أزمة المياه. أما على الصعيد الاجتماعي، فقد ارتبطت الاستدامة بالمجتمع مباشرة. تجاوز عدد ساعات التطوع 150 ألف ساعة، وبلغ عدد المبادرات المجتمعية أكثر من 4600 مبادرة، واستفاد أكثر من 20 ألف شخص من برامج التمكين التي أطلقتها الهيئة السعودية للمياه. أما على صعيد الاستهلاك الداخلي، فقد بلغ إجمالي استهلاك المياه في السعودية عام 2023 أكثر من 12 مليار متر مكعب. وذهب 31 % من هذا الاستهلاك للزراعة، و15.8 % للاستهلاك المنزلي، و10 % للقطاع البلدي، فيما توزعت النسب الأخرى بين الصناعي والتجاري. ومع ذلك، حافظت المملكة على كفاءة إدارة عالية وبدأت بتوسيع الاستثمار في مصادر جديدة ومستدامة. ولأن المستقبل لا يُبنى إلا برؤية بعيدة، أعلنت المملكة في تقرير الاستدامة لعام 2024 عن خارطة طريق واضحة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2045. تضمنت هذه الخطة مبادرات بيئية ملموسة، مثل زراعة أكثر من 8 ملايين شجرة، وخفض استهلاك وقود أسطول النقل بنسبة 25 %. هذه الرؤية لم تغفل عن الاستثمار في الإنسان. فقد بلغت نسبة التوطين في القطاع نحو 99 %، ما جعل الهيئة تحصل على شهادة "أفضل بيئة عمل"، وأكد أن استدامة الموارد تبدأ من استدامة العقول والطاقات الوطنية. اليوم، كل قطرة ماء في السعودية تحمل قصة نجاح. قصة عن استثمار ضخم، وعن بحوث مبتكرة، وعن رؤية وضعت الإنسان أولًا. إنه المشروع الإنساني الأعظم في القرن، مشروع يروي العطش ويمنح العالم نموذجًا يُحتذى به في مواجهة أخطر تحديات المستقبل