إعادة استخدام 70 % من المياه المعالجة بحلول 2030 تقنيات مبتكرة وحديثة وبراءات اختراع متقدمة تعد قضية الأمن المائي من القضايا الحيوية والاستراتيجية للمملكة العربية السعودية، نظراً لطبيعتها الجغرافية الصحراوية، ومحدودية الموارد المائية الطبيعية، والنمو السكاني والاقتصادي المتسارع. وتهدف المملكة إلى ضمان استدامة الموارد المائية وتوفير المياه للاستخدامات المختلفة بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030. وضمنت المملكة العربية السعودية استدامة الموارد المائية وتوفير المياه للاستخدامات المختلفة عبر مجموعة من السياسات والاستراتيجيات المتكاملة، والتي تركزت في المحاور التالية: التوسع في تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، والحفاظ على المياه الجوفية، وإصلاح قطاع الزراعة المائية، ورفع كفاءة التوزيع وتقليل الفاقد، وبرامج التوعية وتغيير السلوك الاستهلاكي، وتسعير المياه لتحفيز الترشيد، والاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، والابتكار والبحث العلمي. وكل هذه الجهود جعلت المملكة تتحول من دولة تعاني من ندرة مائية إلى دولة رائدة عالميًا في إدارة الموارد المائية بطريقة مستدامة، رغم طبيعتها الصحراوية وغياب مصادر المياه السطحية الدائمة. ويمثل الأمن المائي أحد أهم مقومات الاستدامة في المملكة العربية السعودية، وتحقيقه يتطلب تكاتف الجهود الحكومية والمجتمعية، مع الاعتماد على التقنية والابتكار، لضمان تلبية الاحتياجات المائية للأجيال الحالية والمستقبلية في ظل التحديات البيئية والمناخية. «المملكة والمياه» وفي إطار رؤية المملكة 2030 تبنت المملكة إستراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تحسين إدارة المياه ومواجهة التحديات؛ مثّل محدودية المياه الجوفية غير المتجددة، والطلب المرتفع على المياه في القطاعات الحضرية والصناعية والزراعية، وندرة الموارد المتجددة، حيث تسعى من خلال الإستراتيجية إلى تنمية الموارد المائية باستخدام تقنيات متطورة؛ لتحقيق الأمن المائي، والحفاظ على المياه الجوفية للأجيال القادمة. وسبق أن أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، عن تأسيس المملكة للمنظمة العالمية للمياه في عام سبتمبر 2023م ومقرها الرياض، وهذا الإعلان يؤكد ريادة المملكة في هذا المجال وجهودها المحلية المستندة على تجارب عالمية رائدة في التعامل مع تحديات المياه وتطوير سياسات وممارسات إدارة مواردها، والذي تُوج بتوقيع ميثاق المنظمة وسط مشاركة محلية دولية واسعة، أكدت أهمية المنظمة في حشد العالم من أجل مستقبل مائي مستدام، وأن الانضمام إلى عضويتها يعد استثماراً استراتيجيا، وفرصة للتأثير على سياسات المياه العالمية، والاستفادة من تمويل مشاريع المياه، ومشاركة أفضل الممارسات والتجارب على مستوى العالم. كما يعد ذلك امتداداً لرؤية المملكة العربية السعودية الطموحة في النهوض بقطاع المياه على مستوى العالم. وهذه الجهود التي تبذلها المملكة للأمن المائي يتيح لها تشارك رؤاها وخبراتها مع العالم، وتستفيد من مختلف التجارب العالمية، إذ تأتي استضافة المملكة لقمة المياه الواحدة التي انعقدت بالرياض في ديسمبر 2024م برئاسة مشتركة من: صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، ورئيس البنك الدولي أجاي بانجا، تأكيداً على ذلك، إضافة إلى اختيار المملكة لاستضافة المؤتمر العالمي لتحلية المياه وإعادة استخدامها 2026م، نظراً لكونها أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً، كما أنها ستستضيف المنتدى العالمي للمياه 2027م، الذي يمثل أكبر حدث عالمي في مجال إدارة المياه، ومنصة عالمية لمناقشة قضايا المياه والتعاون الدولي في هذا المجال. «تحلية مياه البحر» ونجحت المملكة في بناء نموذج متكامل ومستدام للأمن المائي، رغم طبيعتها الصحراوية الجافة، وذلك بفضل الدعم غير المحدود من قبل القيادة الرشيدة -أيدها الله-، ثم بفضل الاستثمارات الضخمة في تحلية المياه، وتطوير شبكات مائية عملاقة توفر إمدادات موثوقة تغطي احتياجات المجتمع والقطاعات المختلفة. وتعد المملكة أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وتم إنشاء محطات تحلية حديثة على سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر. وسبق أن كشفت وزارة البيئة والمياه والزراعة، أن المملكة حافظت على صدارتها العالمية كأكبر منتج للمياه المُحلّاة، وامتلاكها أكبر سعة تحلية في العالم بإجمالي يصل إلى 4.19 ملايين متر مكعب سنويًا، وأكبر شبكة لأنابيب نقل المياه بطول 14.21 ألف كيلو متر، وسعة تصل إلى 19.42 مليون متر مكعب يوميًا، مما يعكس تطور ومتانة البنية التحتية في قطاع المياه ، وأكبر شبكة لخزانات مياه شرب بسعة 8.9 ملايين متر مكعب يوميًا. وكثمرة لتنفيذ «استراتيجية المياه»، امتلكت المملكة ضمن قائمة غينيس العالمية، أكبر شبكة لخزانات مياه شرب بسعة 8.9 ملايين متر مكعب يوميًا، وأكبر مرفق لتخزين مياه الشرب في الرياض بسعة 4.79 ملايين متر مكعب يوميًا، وأضخم موقع من حيث سعات الإنتاج بإجمالي 2.99 مليون متر مكعب يوميًا، وأكبر خزان لتخزين مياه الشرب في الرياض بسعة 3 ملايين متر مكعب. كما تمتلك المملكة أضخم وحدة تحلية بتقنية التبخير في الشعيبة بسعة 92 ألف متر مكعب يوميًا، وأكبر محطة متنقلة لتحلية المياه في العالم البالغة قدرتها 50 ألف متر مكعب يومياً، كما تعد المملكة الأقل استهلاكًا للطاقة في محطات تحلية المياه ب 2.271 كيلو واط / متر مكعب. وفيما يخص مشاريع خدمات المياه خلال 2024م، أكملت المياه الوطنية، 36 مشروعًا بتكلفة إجمالية بلغت 992 مليون ريال، وأسهمت هذه المشاريع في تنفيذ خطوط رئيسية وشبكات بإجمالي أطوال 894 ألف متر طولي، وتشييد 29 خزانًا بسعة تخزينية بلغت 109.5 ألف متر مكعب، بالإضافة إلى محطة تنقية بسعة 5 آلاف متر مكعب يوميًا، ومحطات ضخ بسعة إجمالية 546.08 ألف متر مكعب يوميًا، ومن المستهدف إنجاز 31 مشروعًا إضافيًا بقيمة 2.14 مليار ريال خلال الفترة المتبقية من العام الجاري. «تبني التقنيات» وتسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق الأمن المائي من خلال بناء نموذج متكامل ومستدام، وذلك بمواجهة تحديات ندرة المياه وتحقيق التوازن بين العرض والطلب على المياه، وتعتمد المملكة في هذا النموذج على عدة محاور، منها الاستثمار في تحلية المياه، وتطوير شبكات مائية متطورة، وتحسين إدارة المياه، وتبني تقنيات مبتكرة للحفاظ على المياه، ويشمل ذلك تحسين إدارة الموارد المائية المتاحة، سواء كانت متجددة أو غير متجددة، بالإضافة إلى ترشيد استهلاك المياه في جميع القطاعات. وتتبنى المملكة تقنيات حديثة في مجالات إدارة المياه، مثل معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، وتطوير تقنيات الري الحديثة، والاستفادة من مصادر المياه غير التقليدية، وتسعى المملكة إلى تحقيق الاستدامة في إدارة الموارد المائية، من خلال الحفاظ على الموارد المائية للأجيال القادمة، وضمان استمرار توفير المياه، وتولي المملكة أهمية كبيرة للتوعية بأهمية الحفاظ على المياه، وتشجيع تبني سلوكيات مستدامة في استهلاك المياه. كما تسعى المملكة إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال المياه، وتبادل الخبرات والتجارب مع الدول الأخرى، والمساهمة في إيجاد حلول مبتكرة للتحديات المائية العالمية، وسبق وأعلنت المملكة عن تأسيس المنظمة العالمية للمياه، ومقرها الرياض، بهدف تعزيز التعاون الدولي في مجال المياه وتقديم حلول مبتكرة للتحديات المائية. وتضع رؤية المملكة 2030 البيئة والمياه في مقدمة أولوياتها، وتسعى إلى تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية. وتسعى المملكة إلى تحقيق الأمن المائي من خلال نموذج متكامل ومستدام يعتمد على الاستثمار في التكنولوجيا، وتحسين الإدارة، والتركيز على الاستدامة، والتعاون الدولي، والتوعية المجتمعية. «براءات اختراع» وحققت المملكة العربية السعودية إنجازات كبيرة في مجال براءات الاختراع المتعلقة بالأمن المائي، حيث حصلت على براءات اختراع متقدمة في صناعة المياه خلال عام 2024. وحول تفاصيل الإنجازات: إنتاج الطاقة النظيفة من مياه الرجيع الملحي، ومن بين الإنجازات البارزة تسجيل براءة اختراع لإنتاج الطاقة النظيفة من المياه المتبقية بعد عمليات تحلية المياه. وجهاز تحكم لجمع عينات مياه البحر: حيث تم تسجيل براءة اختراع لجهاز تحكم مخصص لجمع عينات من مياه البحر، مما يعكس تطورًا في تقنيات رصد ومراقبة جودة المياه. وتم تسجيل براءة اختراع لنظام حماية مآخذ المياه من الأجسام والكائنات البحرية، مما يضمن سلامة وموثوقية إمدادات المياه. وهناك جهود مستمرة لتطوير تقنيات مبتكرة في مجال تحلية المياه، بما في ذلك استخدام تقنيات النانو والطلاءات المبتكرة للأغشية. ويتم استكشاف استخدام الطحالب الدقيقة في معالجة المياه واستخلاص مواد ذات قيمة منها. التناضح الأمامي: حيث تم إثبات فكرة استخدام التناضح الأمامي وربطه بالطاقة الشمسية لتقليل تكاليف تشغيل محطات تحلية المياه. ويتم تطبيق تقنيات مبتكرة لاستعادة معدن المغنيسيوم وغاز البروم من مياه الصرف. وحققت المملكة براءات الاختراع، في مجال الأمين المائي ، حيث نال الذراع التشغيلي للهيئة السعودية للمياه «تحلية المياه»، براءة اختراع في استخلاص الأملاح ثنائية التكافؤ بكفاءة عالية من خلال تطوير نظام جديد لاستخلاصها من مياه الرجيع وتوظيف تقنية الناتو باستخدام مياه الرجيع، وتُعَد هذه الابتكارات نقلة نوعية في صناعة التحلية، والحصول على براءة اختراع في تسجيل جهاز تحكم آلي لجمع العينات، وبراءة اختراع في حماية مآخذ المياه من الأجسام والكائنات البحرية، وبراءة اختراع في نظام الغسيل الكيمائي في عمليات صناعة التحلية، وكذلك براءة اختراع عن إنتاج الطاقة النظيفة من خلال الذراع البحثي «وتيرا». وتساهم هذه الابتكارات في تحقيق الأمن المائي للمملكة من خلال توفير مصادر مياه مستدامة وموثوقة. وتستضيف المملكة فعاليات عالمية مهمة في مجال المياه، مثل قمة المياه الواحدة والمنتدى العالمي للمياه. وتسعى المملكة إلى مشاركة خبراتها في مجال المياه مع العالم، مما يعزز التعاون الدولي في هذا المجال. وتتماشى هذه الإنجازات مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في جميع القطاعات. «قيود صارمة» وتهدف المملكة إلى إعادة استخدام أكثر من 70 % من المياه المعالجة بحلول 2030، كما تهدف للحفاظ على المياه الجوفية بوضع قيود صارمة على استخراج المياه الجوفية غير المتجددة، وفرض تراخيص لحفر الآبار. وإيقاف زراعة المحاصيل الشرهة للمياه مثل القمح والأعلاف الخضراء محليًا. والعمل على إصلاح قطاع الزراعة المائية ودعم الري بالتنقيط وتقنيات الزراعة الذكية لتقليل الهدر، ودعم التحول إلى البيوت المحمية والزراعة الرأسية. وتوفير بدائل محلية مستدامة لعلف الحيوانات، ورفع كفاءة التوزيع وتقليل الفاقد، وتحديث شبكات المياه وخفض نسبة الفاقد (الهدر) المائي، وتركيب عدادات ذكية لمراقبة الاستهلاك بدقة، وتشجيع تركيب أدوات توفير المياه في المنازل والمرافق العامة. وتسعير المياه لتحفيز الترشيد بتطبيق تسعيرات جديدة للمياه بهدف تحقيق عدالة التوزيع وتقليل الاستهلاك المفرط، مع دعم الأسر ذات الدخل المحدود. وتشمل الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030: تحقيق الأمن المائي على المدى الطويل، وضمان التوازن بين العرض والطلب، ودمج الجهات المائية تحت مظلة تنظيمية واحدة. وتحسين حوكمة القطاع ورفع كفاءته، وتشجيع الابتكار والبحث العلمي بدعم مراكز الأبحاث لتطوير تقنيات حديثة في التحلية، الزراعة، وإعادة التدوير، والتعاون مع الجامعات والمؤسسات العالمية في تقنيات المياه المستدامة. ومن التحديات التي تواجه الأمن المائي ندرة الموارد الطبيعية المتجددة، والاعتماد الكبير على تحلية المياه، بتكاليف عالية واستهلاك للطاقة، والاستهلاك المفرط وغير المستدام للمياه، خصوصًا في القطاع الزراعي، وتلوث بعض الموارد المائية الجوفية، إضافة للتغير المناخي وتأثيراته على معدلات الأمطار ونوعية المياه.