في رياض التأمل والتجانس بين الأشياء؛ سواء صغيرها أو كبيرها هي ديمومة دائرية تحلق في عوالم عديدة؛ في كل حدثٍ ما شأنٌ يخصها، وهذه الشخوص بدورها هي متصلة بعالمها الخارجي حيث رياضة التأمل نحو القلق المتصاعد الذي يكمن في الأنا الترسندنتالية وما تبطن من تفاصيل صغيرة. فتلك التفاصيل منشؤها من عالم المحسوسات التي ندركها بِوعينا الكامل دون أي دور منها؛ سوى رمزيتها فقط. فالطريق نحو فهم اللحظات الزمنية بوقعتها الهائلة والقوية بصدمتها؛ لا تنبع من إرادتها الحرة، وإنما تسير في فُلكٍ معلوم دقيق في قوانينه تتحكم فيه قوة جبارة عظيمة في حكمتها: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَق وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ). كل لحظة من هذا الزمان هي جوهر بذاتها وبذات غيرها، لها حقيقتها واتصالها مع كل الجواهر لا يمكنها الانفصال عن بعضها، فالانفصال هو اختلال في الميزان، ولهذا قام الحق على ذلك المراد. فاللحظة الأولى هي الحركة الكائنة في كل الموجودات أي كل لحظة متسلسلة هي نسخة من تلك اللحظة الأولى، ومن هذا المنطلق يكون التشابه واضحًا كي تكتمل دائرة المعرفة الإبستمولوجية. فكل كينونة قائمة بذات لحظتها. ولا يمكن انفصال الوجود عن الزمن، فالطبيعة قائمة على هذا الثنائي. فهذه الموجودات حقيقتها في زمنيتها المتصلة على الدوام، فمثلًا اليوم شاهدت الشمس مشرقة في صباحها المعتاد تأملتها في لحظتها الآنية فقرأت في تفاصيلها الدهشة والإعجاب، وكررت هذه اللحظة في يومٍ آخر؛ فالدهشة ليست كما كانت فقد اختلفت لاختلاف اللحظة ذاتها، لأنني تعمدتُ نسخها ولكن في حقيقة الأمر أن جميع اللحظات تتشابه في مظهرها، وفي جوهرها مختلفة زمنيًا فكل لحظة متصلة بزمنها الآني الأنطولوجي. لك مطلق الإرادة في اختيار اللحظات المتشابهة؛ لكن تتوقف عند اختيار اللحظة الفاعلة وأقصد بها الأولى فهي ليست اختيارك بل جاءت متجانسة متأملة منطلقة من ذاتها، أي من القوة الإلهية المتحكمة بها. لهذا نسمع من المتنبي في قوله: أريدُ من زمني ذا أن يبلغني ... ما ليس يبلغهُ من نفسهِ الزمنُ فهي إشارة واضحة في طلب مراد معجز المنال بكل تجلياته، فهو عاجز حتى أن ينال مطلبه ولو بكلمة آجلة تنبئه بمستقبلٍ ما. وهذا ما يفسر أننا لسنا في إرادة محضة بل نعيش نحو حتمية آلية نتماثل معها وفق قوانينها الخاصة. فهذا الكون بكل شواهده كتابٌ محكم نعجز عن فهم ظواهره؛ فضلًا عن جدليات زمنه في وهلته القصيرة. وهاهنا يستوقفنا عنترة بن شداد، ويعطينا خارطة الطريق بجدلية أبياته: أُعاتبُ دهرًا لا يلينُ لعاتبِ وأطلب أمنًا من صروف النوائبِ وتوعدني الأيام وعدًا تُغرني ... وأعلم حقًا أنه وعدُ كاذبِ