تُعد الثقافة أحد أهم الموارد غير المادية التي تمتلكها المجتمعات، فهي تعكس هويتها وقيمها وتاريخها، وفي الوقت ذاته تمثل موردًا اقتصاديًا متجددًا يمكن تحويله إلى مصدر للدخل والتنمية. ومن هنا برز مفهوم صناعة الثقافة أو ما يُعرف بالاقتصاد الثقافي، الذي يجمع بين البعد الرمزي للثقافة والقيمة الاقتصادية لها. وتشير صناعة الثقافة إلى إنتاج وتوزيع وترويج المنتجات والخدمات الثقافية مثل: الكتب والنشر/ السينما والمسرح والموسيقى/ الفنون التشكيلية والتصميم/ المتاحف والتراث والأنشطة السياحية الثقافية/ الإعلام الرقمي والإبداعي. هذه الصناعات لم تعد نشاطًا ترفيهيًا فقط، بل أصبحت قطاعًا اقتصاديًا قائمًا على الابتكار والإبداع، له بنية تحتية وسوق وقيمة مضافة، وهي التي تبدو جلية ضمن خطط رؤية المملكة 2030 التي تعزز بشكل كبير هذه الجوانب. والاقتصاد الثقافي يعني تحويل الإنتاج الثقافي إلى قيمة اقتصادية قابلة للقياس عبر التشغيل والاستثمار والربح، فهو يربط بين الثقافة والسوق من خلال: توفير فرص عمل جديدة (في النشر، الإنتاج السينمائي، المتاحف، الألعاب الإلكترونية...). جذب الاستثمارات في الصناعات الإبداعية، ودعم السياحة الثقافية كرافد اقتصادي، وأيضاً تعزيز القوة الناعمة للدولة عبر التبادل الثقافي. وبلا شك أن الاقتصاد الثقافي له أهميته البالغة في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية، وبناء اقتصاد معرفي قائم على الإبداع. وكذلك تعزيز الهوية الوطنية عبر تسويق الثقافة محليًا وعالميًا، وأيضا الإسهام في جذب الشباب للعمل في مجالات إبداعية مبتكرة. إن من أبرز التحديات التي يواجهها هذا المشروع الكبير بشكل عام: ضعف التمويل الموجه للصناعات الثقافية، ومحدودية القوانين والتشريعات المنظمة للملكية الفكرية. والحاجة إلى بنية تحتية رقمية متطورة، مع ضرورة تدريب وتأهيل الكوادر المتخصصة. ولو نظرنا للمستقبل فإن التحولات العالمية نحو الاقتصاد الإبداعي والرقمي تجعل من الاقتصاد الثقافي فرصة استراتيجية للدول، حيث يمكن عبر الاستثمار في الثقافة تعزيز القوة الاقتصادية، وبناء مجتمعات أكثر إبداعًا وابتكارًا، إضافة إلى تعزيز المكانة الدولية من خلال "القوة الناعمة الثقافية". إذا: فصناعة الثقافة لم تعد نشاطًا هامشيًا، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من التنمية الاقتصادية المستدامة، والاقتصاد الثقافي هو الأداة التي تربط بين الإبداع والاقتصاد وتحوّل الثقافة إلى مصدر للثروة والهوية في آن واحد في بلاد تزخر بالتنوع الثقافي مثل المملكة العربية السعودية.