دخل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب زيادة الرسوم الجمركية على السلع القادمة من الهند إلى ما يصل إلى 50 بالمئة حيز التنفيذ في موعده المقرر أمس الأربعاء، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التوتر بين الشريكين الاستراتيجيين. وسوف تُضاف رسوم جمركية تبلغ 25 بالمئة على الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي إلى الرسوم السابقة البالغة 25 بالمئة على عدد من المنتجات الهندية. وبذلك، يصل إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على الهند إلى 50 بالمئة على سلع مثل الملابس والأحجار الكريمة والمجوهرات والأحذية والأدوات الرياضية والأثاث والمواد الكيميائية، وهي من بين أعلى الرسوم التي تفرضها الولاياتالمتحدة. وبهذا ستواجه الصادرات الهندية إلى الولاياتالمتحدة هذا الأسبوع رسوما جمركية تعد من بين الأعلى على مستوى العالم، ما لم يتراجع عنها الرئيس ترمب في اللحظة الأخيرة. وربط ترمب مسائل السلم والحرب بالتجارة، مهددا بفرض رسوم جمركية نسبتها 50 في المئة على نيودلهي ردا على مواصلتها شراء النفط الروسي الذي تشدد واشنطن على أنه يساعد في تمويل حرب موسكو في أوكرانيا. وأحدثت الرسوم الجمركية هزّة في العلاقات الأميركية-الهندية وأعطت نيودلهي حافزا جديدا لإصلاح علاقاتها مع بكين وتحمل تداعيات كبيرة بالنسبة لخامس أكبر اقتصاد في العالم. وفي السادس من أغسطس، حدد ترمب مهلة نهائية من ثلاثة أسابيع، تنقضي مدتها صباح الأربعاء في الهند. وكانت الولاياتالمتحدة أهم وجهة للصادرات الهندية خلال العام 2024 إذ بلغت قيمة الشحنات حينذاك 87,3 مليار دولار. ويقدّر خبراء اقتصاد أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بين 70 ومئة نقطة أساس خلال العام المالي الحالي، ما يؤدي إلى تراجع النمو لأقل من ستة في المئة، في أضعف وتيرة منذ جائحة كوفيد-19. ويتحدّث مصدّرو الأقمشة والمأكولات البحرية والمجوهرات عن إلغاء طلبات أميركية وخسائر أمام بلدان منافسة مثل بنغلادش وفيتنام، ما يثير المخاوف من إمكان إلغاء عدد كبير من الوظائف. وحذّر "اتحاد منظمات التصدير الهندية" الثلاثاء من أن زيادة الرسوم الجمركية قد تتسبب ب"آثار سلبية على أسعار" حوالي 55 في المئة من الشحنات المخصصة للولايات المتحدة وتجعلها "تفتقر إلى التنافسية" أمام منتجات بلدان مثل فيتنام والفلبين والصين. وحاليا، تم استثناء المنتجات الصيدلانية والمعدات الكهربائية، بما في ذلك هواتف "آي فون" التي ستم تجميعها في الهند، من الرسوم. وكتب مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو في "فايننشل تايمز" في وقت سابق هذا الشهر أن "الهند تتصرف كمركز تصريف للنفط الروسي، إذ تحوّل الخام الخاضع للحظر إلى صادرات عالية القيمة بينما تعطي موسكو الدولارات التي تحتاجها"، فيما ندد بسعي شركات تكرير النفط الهندية "لجني الأرباح غير المشروعة". من جانبه، رد وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار عبر الإشارة إلى أن عمليات الشراء الهندية ساهمت في استقرار أسواق النفط العالمية، وهو أمر تم بموافقة ضمنية من واشنطن عام 2022. وأشار إلى أن كلا من الولاياتالمتحدة وأوروبا تشتريان النفط المكرر والمنتجات المرتبطة به من الهند. وقال في تصريحات أدلى بها في نيودلهي "إذا كانت لديكم مشكلة في شراء النفط من الهند، سواء النفط أو المنتجات المكررة، فلا تشتروا.. لا أحد يجبركم على الشراء، لكن أوروبا تشتري كما تفعل أميركا". ولفت إلى أنه إلى حين مهلة ترمب النهائية، لم تجر أي "نقاشات" بين نيودلهيوواشنطن طلبت فيها الأخيرة وقف شراء النفط الروسي. وسعت الهند لتعزيز اقتصادها وتعميق العلاقات مع شركائها في مجموعة "بريكس" وخصومها الإقليميين. وتوجّه جايشانكار إلى موسكو حيث تعهّد تخفيف الحواجز الماثلة أمام التجارة الثنائية، بينما يستعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي لأول زيارة له إلى الصين منذ سبع سنوات على أمل إصلاح العلاقات التي تعاني من الفتور منذ مدة طويلة. أما محليا، تفيد وسائل إعلام هندية بأن الحكومة تعمل على حزمة بقيمة 2,8 مليار دولار للمصدّرين، وهو برنامج مدته ست سنوات يهدف لتخفيف المخاوف المرتبطة بالسيولة. كذلك، اقترح مودي خفضا ضريبيا على المنتجات اليومية لوضع حد للإنفاق وتحصين الاقتصاد. وتعثرت المحادثات، بسبب الزراعة ومنتجات الألبان والأجبان. ويسعى ترمب لوصول أكبر للولايات المتحدة، بينما مودي عازم على حماية المزارعين الهنود الذين يشكّلون قاعدة انتخابية مهمة. وأشارت تقارير إعلامية هندية إلى أن المفاوضين الأميركيين ألغوا رحلة كانت مقررة في أواخر أغسطس إلى الهند. وأثار الأمر تكهّنات بأن المحادثات انهارت. لكن جايشانكار قال إن المحادثات متواصلة، مضيفا أن "المفاوضات ما زالت تجري نظرا إلى أن أي طرف لم يعلن إلغاءها".