عام دراسي جديد وسعيد وعودا حميدا، ولعلها فرصة جيدة للحديث عن موضوع يؤرق الكثير من المجتمع التعليمي. السادسة والنصف صباحًا، ساعة يومية تُعلن بداية يوم دراسي مرهق. في هذا التوقيت المبكر، بينما لم يكتمل بعد شروق الشمس، يبدأ طلابنا رحلتهم محمّلين بحقائبهم الثقيلة وعيونهم المثقلة بالنعاس. ليس الأمر أننا مجتمعات نائمة؛ فأنا شخصيًا أستيقظ يوميًا عند الفجر وأستمتع بهدوء الصباح، وأؤمن أن من يملك صباحه يملك يومه، ومن يملك يومه يملك حياته. لكن الحقيقة أننا نفتقد نمط الحياة الهادئ؛ نعيش في حالة ركض متواصل تُفقد الأسرة لحظة الفطور الهادئ والتهيؤ السليم ليوم جديد. حين ننظر إلى العالم من حولنا، نجد أن معظم الدول المتقدمة تبدأ يومها الدراسي لاحقًا. في الولاياتالمتحدة، توصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال ألا تبدأ المدارس قبل الثامنة والنصف، بل إن كاليفورنيا جعلت ذلك قانونًا. في أوروبا واليابان وفنلندا، تبدأ الدراسة عادة بين 8:30 و9:00 صباحًا، وحتى ألمانيا وكوريا الجنوبية لا تبدأ قبل 7:30. نحن وحدنا تقريبًا من يقرع الجرس عند السادسة والنصف صيفًا والسابعة شتاءً. سيُقال إن الجو لدينا مختلف، وهذا صحيح من حيث الحرارة وطول النهار. لكن إن أردنا أن نتبع هذا الفكر التقليدي سنظل في حلقة مفرغة، بينما المطلوب أن نبتكر حلولًا تناسب بيئتنا دون أن نضحّي براحة طلابنا وصحتهم. الفارق ليس في الساعة فقط، بل في الفلسفة: كيف نوازن بين متطلبات التعليم وإيقاع الإنسان الطبيعي. الأبحاث العالمية واضحة: تأخير الدوام يحسّن النوم، ويزيد التركيز، ويرفع التحصيل. تجربة سياتل في الولاياتالمتحدة، حيث أُجّل الدوام نحو ساعة، أظهرت أن الطلاب حصلوا على 34 دقيقة نوم إضافية يوميًا وتحسنت درجاتهم بنسبة 4.5%. أما في السعودية، فالصورة أشد إلحاحًا: نحو 80% من طلاب الابتدائية في جدة يتخطون وجبة الإفطار، وثلثاهم لا يحصلون على ساعات نوم كافية. نحن لا نتحدث عن دقائق إضافية للنوم فقط، بل عن صحة عقلية وجسدية وأسرية تتأثر يوميًا بقرار إداري يمكن مراجعته. إعادة النظر في مواعيد الدراسة ليست دعوة للكسل والنوم، بل لجعل الحياة أكثر توازنًا. ماذا لو بدأت المدارس في الثامنة صباحًا؟ ببساطة، سيجد الطلاب وقتًا للإفطار، وستخف وتيرة الركض والضغط الأسري، وسيبدأ اليوم بطاقة أهدأ وأكثر تركيزًا. ويمكن أن نذهب أبعد بتجربة أربعة أيام حضورية ويوم خميس عن بُعد، حيث تُعقد حصص قصيرة متزامنة ومشاريع عبر المنصات الرقمية. التأخير ساعة واحدة أو اعتماد نموذج هجين يعني منح وقتٍ للصحة والحب والحياة، دون أن نخسر من جودة التعليم شيئًا. إن إصلاحًا بسيطًا كهذا قد يُعيد تشكيل علاقتنا بالمدرسة وبالحياة معًا. نعم إن بداية اليوم الدراسي عند السادسة والنصف ليست تعليماً مبكراً، بل إنهاكاً مبكراً. التعليم الحقيقي هو ما يحترم جسد الطفل وروحه، ويمنحه فسحة للحياة بقدر ما يمنحه فرصة للتعلّم.