تفتك المجاعة بأطفال غزة جراء مواصلة الاحتلال إغلاق المعابر ومنع وصول الإمدادات الغذائية والإنسانية والطبية للقطاع في ظل حرب الإبادة الشاملة، لكن المجاعة التي يواجهها أطفال غزة ليست فقط مشكلة غذائية فحسب، بل هي جزء من أزمة مركبة هندسها الاحتلال لتشمل الانهيار الاقتصادي، وتعطل الخدمات الصحية، وتدهور البيئة الاجتماعية والنفسية، في ظل مواصلة الاحتلال إغلاق المعابر بشكل شبه كامل، والقيود على دخول الغذاء والدواء والوقود، جعل من غزة سجنًا مفتوحًا يعاني سكانه الجوع والفقر المدقع فمن لم يمت بآلة الحرب والدمار الإسرائيلية يمت جوعا بسبب عدم حصوله على كسرة خبز أو شربة ماء. ومع الجوع المزمن، تتآكل أجساد الأطفال بشكل كبير، ويزداد خطر الموت بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، فالمستشفيات تعمل بأقل من 20 % من طاقتها بسبب نقص الوقود والمستلزمات الطبية، ما يترك الأطفال بلا علاج فعال. هذا أدى إلى ارتفاع وفيات الأطفال دون الخامسة، بنسبة 45 % مقارنة بالعام الماضي، ما يُعد مؤشراً صادمًا على حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع في ظل غياب الغذاء والرعاية الصحية الأساسية. لكن الأخطر من الأرقام أن الطفولة نفسها تُسرق، وأن جيلاً كاملاً ينمو الآن في بيئة تعاني من الحرمان المزمن، مما يهدد بتكريس دائرة الفقر والعجز، وفقاً للمرصد المتوسطي. من جانبه قال رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بغزة أمجد الشوا إن 900 ألف طفل يعانون من درجات متفاوتة من سوء التغذية، محملا جيش الاحتلال مسؤولية تجويعهم. وأكد الشوا أن 17 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، حيث لا يصل سوى كميات قليلة من المساعدات إلى القطاع وتتم سرقتها من قبل عصابات. من جانبه، قال المفوض العام للوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني إن سكان غزة يعانون من الجوع ويجب وقف ذلك بالوسائل السياسية، وإغراق القطاع بمساعدات غذائية واسعة النطاق بشكل فوري ومستمر ودون عوائق. ووفقا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، يواجه ربع الفلسطينيين في غزة ظروفا أشبه بالمجاعة، حيث يعاني 100 ألف طفل وسيدة سوء التغذية الحاد. 40 ألف رضيع بغزة بلا حليب وتتصاعد التحذيرات من وقوع موت جماعي يهدد أكثر من 100,000 طفل في قطاع غزة الذي يشهد واحدة من أسوأ أزمات سوء التغذية في العصر الحديث، حيث تتكرر حالات الوفاة بين الأطفال الرضع بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والغذائية بطرق فعالة تستطيع من خلالها المؤسسات الأممية الحد من الخسائر الفادحة في الأرواح. وقد وثقت مستشفيات القطاع خلال الساعات الماضية استشهاد 88 فلسطينياً بنيران الاحتلال، بينهم 63 من المدنيين الذين كانوا ينتظرون مساعدات غذائية. كما سجلت 8 حالات وفاة جديدة جراء الجوع ونقص التغذية، من بينهم طفل وسبعة بالغين، ما يرفع حصيلة ضحايا المجاعة إلى عشرات الحالات الموثقة. ووفقا لوزارة الصحة في غزة، ارتفع إجمالي عدد الشهداء منذ بدء العدوان إلى أكثر من 61,020 شهيدا، إضافة إلى 150,671 مصاباً، في وقت تتواصل فيه الغارات وعمليات الاجتياح المحدودة التي تهدد بالتوسّع الشامل. وقد أكد وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، أن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص في غزة لم يأكل منذ أيام، داعيا إلى إيصال المساعدات بشكل سريع وإرساء وقف دائم لإطلاق النار. وأكد فليتشر أن "غزة تعيش أزمة إنسانية أمام أعين العالم"، مشيرا إلى أن الذين يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية يتعرضون لإطلاق النار، والأطفال "يذوبون" من الجوع. وأوضح أن واحدا من كل ثلاثة أشخاص في غزة لم يتناول الطعام منذ أيام، وقال: "لا ينبغي منع المساعدات أو تأخيرها أو توزيعها تحت وطأة الهجمات". وشدد على أن قوافل المساعدات يجب أن تحصل على الإذن لعبور الحدود بسرعة، وشدد على ضرورة إنهاء استهداف الأشخاص خلال محاولتهم الحصول على المساعدات الغذائية. معدلات مثيرة للقلق في حين أكدت منظمة الصحة العالمية أن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، وأن الحصار المتعمَّد وتأخير المساعدات تسبب بفقدان أرواح كثيرة. وأكدت إمكانية لا تجنب الأزمة بشكل كامل، إذا ما تدفقت المساعدات الغذائية والصحية والإنسانية بشكل واسع النطاق ودون أي عوائق إسرائيلية. وبينت الصحة العالمية أن حوالي طفل من كل 5 دون سن الخامسة في مدينة غزة يعانون الآن من سوء التغذية الحاد، وأن هذه المعدلات تضاعفت في خان يونس ووسط غزة خلال أقل من شهر. وبدورها، دعت المديرة الإنسانية في منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية ريتشل كومينغز، إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر المعابر البرية. واعتبرت أن الإنزال الجوي للمساعدات طريقة عشوائية ومحدودة؛ مشيرة إلى أن كل إنزال جوي واحد يعادل شاحنة واحدة تقريبا. وأكدت أنه يجب إيصال المساعدات الإنسانية، برا، وعبر الطرق المتعارف عليها. وأضافت "نحتاج إلى تمكين منظومة الأممالمتحدة من إدارة عمليات التوزيع، نحن بوصفنا وكالات إنسانية نعرف كيفية التوزيع الآمن والكريم للمساعدات الإنسانية". ووصفت الوضع الإنساني في غزة بالكارثي؛ مؤكدة في تصريح صحفي لها أن الأطفال يتضورون جوعا فيما تعاني النساء الحوامل والمرضعات من سوء التغذية. نداء استغاثة عاجل وبالتزامن مع هذه التصريحات، أطلقت إدارة مستشفى شهداء الأقصى في المحافظة الوسطى نداء استغاثة عاجل، محذرة من كارثة صحية وشيكة بسبب نفاد كميات السولار اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية. وأوضحت الإدارة أن الساعات القادمة حاسمة، إذ لم يتبق سوى كمية محدودة من الوقود، ما يهدد بتوقف غرف العمليات والعناية المركزة وحضانات الأطفال وأجهزة غسيل الكلى. وناشد المستشفى المؤسسات الدولية والجهات المعنية بالتدخل الفوري لتوفير الوقود وضمان استمرارية تقديم الخدمات الطبية. وقال مدير مستشفى الأطفال في مجمع ناصر الدكتور أحمد الفرا إن المستشفى يشهد ارتفاعًا حادا في عدد الأطفال الذين يصلون جثثًا هامدة، بسبب الجوع وسوء التغذية، إلى جانب القصف المتواصل. وأكد أن الأطفال باتوا أكثر الفئات هشاشة أمام الكارثة الإنسانية، في ظل شلل شبه تام في المنظومة الصحية، وغياب الغذاء والدواء. وفي تحذير دولي جديد، قالت منظمة "اليونيسف" إن جميع سكان قطاع غزة يعانون من الجوع، لكن الأطفال هم "الأكثر معاناة". وأضافت المنظمة عبر منصة "إكس" أن "الأطفال بدلا من الذهاب إلى المدرسة، يخاطرون بحياتهم يوميا من أجل الحصول على بعض الطعام". ودعت المنظمة إلى ضرورة السماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. نحتاج إلى أفعال من جانبه، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من خطر وشيك بوفاة آلاف الأطفال الرضّع نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع إدخال حليب الأطفال منذ أكثر من 150 يوما، فيما وصفه ب"جريمة إبادة صامتة". وأوضح أن أكثر من 40,000 رضيع دون عمر السنة الواحدة يواجهون خطر الموت البطيء، في ظل الحصار الخانق ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية. وأظهرت صور ومقاطع فيديو متداولة، فلسطينيين بالقطاع وقد بدت أجسادهم أشبه بهياكل عظمية جراء الجوع الشديد، فضلاً عن إصابتهم بالغثيان والإعياء وفقدان الوعي. وتزايدت في الأيام القليلة الماضية الإدانات الدولية لسياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل على أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المحاصر مما أدى إلى تفشي المجاعة بين السكان المحاصرين، حيث يشهد القطاع أزمة إنسانية حادة جراء منذ أغلق جيش الاحتلال المعابر في مارس الماضي، ومنع تدفق المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية يشنها الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023. المجاعة تفتك بالأطفال أطلق مدير عام مجمع الشفاء الطبي في غزة الدكتور محمد أبو سلمية، نداء إنسانيا عاجلا، محذرا من تفاقم الكارثة الغذائية في القطاع، في ظل الحصار المتواصل وشحّ المساعدات. وقال أبو سلمية إن "أطفال وشيوخ غزة نحلت أجسادهم حتى باتت الهياكل العظمية مرئية، ونُسجل يوميًا وفيات ناتجة عن المجاعة وسوء التغذية". ودعا المجتمع الدولي وممثلي المؤسسات الإنسانية إلى زيارة المستشفيات والخيام وبيوت السكان، التي أصبحت خالية حتى من كسرة خبز، على حد تعبيره، مؤكدا أن "الواقع يفوق الوصف، وأن الحاجة ملحة لتدخل عاجل قبل فوات الأوان". في حين، قالت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسف)، إن أطفال قطاع غزة بحاجة إلى الغذاء والماء والدواء والحماية والأهم من ذلك كله، هم بحاجة إلى وقف إطلاق النار. بدوره، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، إن ما يدخل إلى قطاع غزة من مساعدات، أقل من نصف احتياجاته، مشددًا على وجود حالة كبيرة من الجوع. وأشار إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن سيطرت الاحتلال الإسرائيلي على كل المعابر الحدودية ونقاط التفتيش، مبيناً أن عملية التفتيش معقدة وطويلة، في المعبرين اللذين سُمح للأمم المتحدة بإيصال المساعدات عبرهما. وتزامنت تصريحات حق مع تحذيرات أممية من أزمة تعطيش حادة، حيث يعاني نحو 90 % من سكان غزة من عدم القدرة على الوصول إلى مياه صالحة للشرب. واستشهد أكثر من 1500 شخص في قطاع غزة منذ مايو الماضي أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء وعند نقاط توزيع المساعدات التي "عسكرتها" إسرائيل وعلى طول طرق مساعدات الأممالمتحدة. الفئات الأكثر تضررا ً هناك قاعدة تقول إن الإنسان لا يمكنه البقاء حيا من دون هواء لأكثر من 3 دقائق، ومن دون ماء لأكثر من 3 أيام، ومن دون غذاء لأكثر من 30 يوما، وينطبق ذلك على قطاع غزة من شماله الى جنوبه، بعدما بلغ الجوع مبلغه، ووصل لحد الخطر الحقيقي على الحياة، وهو ما تثبته حالات الوفاة التي وثقتها المنظمات الحقوقية والطبية. ويمكن تحديد فئات يدهمهما الخطر بصورة أكبر وأسرع من غيرها، كالأطفال الذين يمكن أن يصابوا بالتقزم وفقر الدم ومشكلات في الدماغ وقلة التركيز، قد يصل الأمر للتخلف العقلي. والمجاعة كذلك تؤثر في الأجنة بالأرحام، فالمرأة الفلسطينية الحامل التي لا تجد رغيف الخبز كيف لها أن توصل الغذاء لجنينها، وهذا يعني احتمال إصابتها وجنينها بمشكلات صحية عالية جدا. وأيضا الخطر يحدق بكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة الذين يحتاجون إلى الغذاء الصحي بكميات ونوعيات معينة ليست متوفرة في ظل ظروف الحرب، وبالتالي فإن حياتهم في خطر كبير. فرص إنقاذ الأرواح تتضاءل حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أن فرص إنقاذ الأرواح في غزة تتضاءل يوما بعد يوم، ودعت إلى السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع بسرعة ودون عوائق. وقالت المنظمة، أنها مستعدة لتوسيع نطاق إيصال المساعدات المنقذة للأرواح بأمان إلى المدنيين الذين هم في أمس الحاجة إليها بمختلف أنحاء القطاع. وشددت على "وجوب السماح بتدفق المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق، وتيسير مرورها". وقالت اللجنة الدولية إنه "مع تفاقم النقص الحاد في الغذاء يوما بعد يوم، لا بد من تمكين المدنيين في غزة من الحصول على الغذاء بشكل فوري ومستدام". وأضافت: "نافذة الفرص لإنقاذ الأرواح في غزة تتضاءل يوما بعد يوم. ولا بد من التحرك العاجل الآن". مجاعة مدبّرة قال عضو المجلس الوطني لمنظمة التحرير محمد اللحام إن المجاعة التي وصلت إليها الأوضاع في قطاع غزة، تعكس فاشية حكومة الاحتلال الإسرائيلية، وتثبت أن ما يجري هو سياسة ممنهجة لإبادة الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة القسرية. وأضاف اللحام في تصريح صحفي له "إن ما نشهده هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، وما أشار إليه المقرر الأممي مايكل فخري في تقريره واضح، فإسرائيل تستخدم المجاعة كسلاح كما استخدمت الكهرباء والمياه والدواء وكل مقومات الحياة". وأوضح اللحام أن المساعدات الإنسانية تُقنّن وفق معايير الاحتلال وتُسرق على مرأى ومسمع من العالم، فيما المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأممالمتحدة، تكتفي بالتقارير دون ردع فعلي. كما تطرق اللحام الى تصريحات الرئيس الإيرلندي مايكل دي هيغنز، الذي دعا إلى تفعيل القوة القانونية الدولية لإدخال المساعدات بالقوة إلى غزة، مؤكدًا أن هذه الدعوات تُثبت أن العالم بدأ يعي أن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع الحرب كأداة للتهجير الجماعي. وأكد اللحام أن المأساة لا تقتصر على قطاع غزة فقط، بل تمتد إلى الضفة الغربية أيضًا، حيث بدأت إسرائيل تنفيذ خطة ممنهجة للتجويع الاقتصادي عبر التضييق على السكان بالحواجز العسكرية، ومحاربة الاقتصاد الفلسطيني من خلال حجز أموال المقاصة، بإشراف مباشر من وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وشدّد على أن الاحتلال يمارس عقوبات جماعية تهدف إلى إنهاك الشعب الفلسطيني بالكامل، وليس فقط في غزة، محذرًا من أن الوضع في الضفة الغربية يتجه نحو انفجار إجتماعي واقتصادي خطير. ومع انهيار المسار التفاوضي وتصاعد الدعوات داخل الحكومة الإسرائيلية لحسم المعركة عسكريا، تبدو غزة على مشارف مرحلة أشد فتكا، في ظل استمرار الصمت الدولي، وتآكل فرص وقف إطلاق النار، وتفاقم المأساة الإنسانية التي تعصف بكامل أرجاء القطاع. أطفال يموتون جوعاً في غزة بسبب نقص الغذاء