صمت الدول، وخاصة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وعدم إدانتها للتصريحات المُتطرفة والممارسات الإرهابية الصَّادرة عن حكومة إسرائيل يُعبر عن عدم احترام للقانون الدولي، وعدم إيمان بحقوق الإنسان، وعدم اهتمام بالأمن والسلم والاستقرار والازدهار الإقليمي والدولي.. في 25 يونيو 1945م، بمدينة سان فرانسيسكوبالولاياتالمتحدة الأميركية، صدر ميثاق الأممالمتحدة، ليُعبر عن مرحلة جديدة من مراحل السياسة الدولية عنوانها البِناءَ والتنمية والازدهار، ورمزها الأمن والسَّلام والاستقرار لجميع شعوب العالم. نعم، هكذا جاءت لغة الميثاق البنّاءة الذي وقعت عليه الدول المُؤسِسة للأمم المتحدة، بما فيها الدول الكُبرى والعظمى التي اتخذت لنفسها موضعاً متميزاً بتسمية نفسها الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وهكذا جاءت ديباجة الميثاق التي تمضنت الآتي: "الديباجة: نحن شعوب الأممالمتحدة وقد آلينا على أنفسنا، أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معيّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها، قد قرّرنا أن نوحّد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض. ولهذا فإن حكوماتنا المختلفة على يد مندوبيها المجتمعين في مدينة سان فرانسيسكو الذين قدّموا وثائق التفويض المستوفية للشرائط، قد ارتضت ميثاق الأممالمتحدة هذا، وأنشأت بمقتضاه هيئة دولية تُسمّى "الأممالمتحدة". وبالإضافة إلى هذه الديباجة التي تصدَّرت ميثاق الأممالمتحدة، تضمنت الكثير من مواده توجهات سياسية هادفة للبناء وتعزيز الأمن والسلم والاستقرار الدولي. ومن ذلك ما تضمنته المادة 1، ومما جاء فيها، الآتي: "مقاصد الأممالمتحدة هي: 1) حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها. 2) إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام". وأيضاً، ما تضمنته المادة 39 والتي جاء فيها، الآتي: "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه." فإذا وضعنا هذا الميثاق العالمي، وما تضمنه من سياسات هادفة غايتها بناء مُجتمع دولي آمن ومُستقر ومزدهر، أمام توجهات وسياسات حكومة إسرائيل وتصريحات رئيس وزرائها، فإننا نجد تناقضاً كبيراً وصداماً عنيفاً بين القيم السَّامية التي تضمنها الميثاق العالمي للأمم المتحدة مع التوجهات والسياسات المُتطرفة التي تتبناها إسرائيل مُنذُ أن أعلنت تأسسيها على أرض فلسطين التاريخية في مايو 1948م حتى وقتنا الحاضر، ولعل التصريحات المُتطرفة لرئيس وزراء إسرائيل، والتي بثتها وسائل الإعلام العالمية، ومنها BBC في 13 أغسطس 2025م، ونصها: "قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه يشعر بأنه في "مهمة تاريخية وروحية"، وأنه متمسك "جداً" برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، "وربما أيضاً مناطق من الأردن ومصر" بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل،" فإنها تُعبر تعبيراً صريحاً عن تطرف سياسات إسرائيل وسعيها الدائم لتقويض الأمن والسلم والاستقرار الدولي، وتؤكد عدم إيمانها بميثاق الأممالمتحدة وما يصدر عنها من قرارات دولية. فإذا أثبت الواقع بأن هذه التصريحات المُتطرفة لحكومة إسرائيل تتعارض وتتناقض وتتصادم تماماً مع ميثاق الأممالمتحدة وجميع القرارات الدولية، وإذا أدركنا بأن هذه التوجهات المُتطرفة لحكومة إسرائيل من شأنها أن تقوِض الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، فإن الواجب على جميع الدول الأعضاء بالأممالمتحدة، وخاصة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن -الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين-، أن تقف موقفاً صلباً من التصريحات السلبية والمتطرفة لحكومة إسرائيل السّاعية من خلالها لتقويض الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، والهادفة للعودة بالسياسة الدولية للعصور والقرون السابقة التي تميزت بالتوسع الاستعماري في أراضي وأقاليم الشعوب المُسالمة وسرقة ثرواتها. نعم، إن الواجب السياسي والدبلوماسي والأمني والقانوني، وقبل ذلك الواجب الأخلاقي، يفرض على جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، وخاصة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، اتخاذ المواقف الصَّارمة والمعلنة والعملية تجاه التوجهات الإسرائيلية المُتطرفة لخروجها على جميع المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية، ولسعيها الدائم لتقويض الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، إلا أن هذا الواجب السياسي والأمني والقانوني والأخلاقي تناسته تماماً الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وتناست مسؤولياتها العظيمة أمام الرأي العام الدولي. وفي مقابل هذه المواقف السلبية للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وتجاهلها للمخاطر التي قد تتسبب بها التوجهات المُتطرفة والهدامة لحكومة إسرائيل، تصدَّرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول المسؤُولة والأخلاقية في المجتمع الدولي لتُعبر مباشرة عن رفضها الصَّارم لسياسات التطرف الإسرائيلية، وذلك بحسب البيان الصَّادر عن وزارة الخارجية في 13 أغسطس 2025م، والذي جاء فيه، الآتي: "تعرب وزارة الخارجية عن إدانة المملكة العربية السعودية بأشد العبارات التصريحات الصادرة عن رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي حيال ما يسمى "رؤية إسرائيل الكبرى"، ورفضها التام للأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدةً على الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني الشقيق بإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على أراضيه استنادًا للقوانين الدولية ذات الصلة. وتحذر المملكة المجتمع الدولي من إمعان الاحتلال الإسرائيلي في الانتهاكات الصارخة التي تقوض أسس الشرعية الدولية، وتعتدي بشكل سافر على سيادة الدول، وتهدد الأمن والسلم إقليميًا وعالميًا". وعملاً بما صدر عن المملكة العربية السعودية من بيان رافض للتوجهات المُتطرفة لحكومة إسرائيل، عبَّرت دول عربية واسلامية عن إدانتها ورفضها للتوجهات المُتطرفة لحكومة إسرائيل من خلال بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية والأمناء العامين لكل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومما جاء فيه بحسب الموقع الرسمي لمنظمة التعاون الإسلامي في 15 أغسطس 2025م، الآتي: "وزراء خارجية كل من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ومملكة البحرين، وجمهورية بنغلادش الشعبية، وجمهورية تشاد، وجمهورية القُمر المتحدة، وجمهورية جيبوتي، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية غامبيا، وجمهورية إندونيسيا، وجمهورية العراق، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الكويت، والجمهورية اللبنانية، ودولة ليبيا، وجمهورية المالديف، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، والمملكة المغربية، وجمهورية نيجيريا الاتحادية، وسلطنة عُمان، وجمهورية باكستان الإسلامية، ودولة فلسطين، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية السنغال، وجمهورية سيراليون، وجمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية السودان، والجمهورية العربية السورية، والجمهورية التركية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والجمهورية اليمنية، وأمين عام جامعة الدول العربية، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدينون، بأشدّ العبارات التصريحات التي أدلى بها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال)، والتي نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن ما يُسمى ب "إسرائيل الكبرى"، والتي تمثّل استهانة بالغة وافتئاتًا صارخًا وخطيرًا لقواعد القانون الدولي، ولأسس العلاقات الدولية المستقرة، وتشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي ولسيادة الدول، والأمن والسلم الإقليمي والدولي. ويشدّدون على أنه في الوقت الذي تؤكّد فيه الدول العربية والإسلامية احترامها للشرعية الدولية وميثاق الأممالمتحدة، ولا سيّما المادة 2 الفقرة 4 المتعلّقة برفض استخدام القوة أو التهديد بها، فإن الدول العربية والإسلامية سوف تتخذ كافة السياسات والإجراءات التي تُؤطر للسلام وتُكرّسه، بما يحقق مصالح جميع الدول والشعوب في الأمن والاستقرار والتنمية، بعيدًا عن أوهام السيطرة وفرض سطوة القوة". وفي الختام، من الأهمية القول إن الراي العام الدولي يتطلع لتحرك سريع وصارم من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن تجاه التوجهات المُتطرفة والسلوكيات الهدامة الصَّادرة عن إسرائيل انطلاقاً من مسؤولياتها السياسية والأمنية والقانونية والأخلاقية التي تعهدت بها عندما صادقت على ميثاق الأممالمتحدة الهادف لتعزيز الأمن والسلم والاستقرار والازدهار الإقليمي والدولي، وإنَّ صمت الدول، وخاصة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وعدم إدانتها للتصريحات المُتطرفة والممارسات الإرهابية الصَّادرة عن حكومة إسرائيل يُعبر عن عدم احترام للقانون الدولي، وعدم إيمان بحقوق الإنسان، وعدم اهتمام بالأمن والسلم والاستقرار والازدهار الإقليمي والدولي.