في عالم الرياضة الحديث، لم يعد الفوز في المباريات أو تحطيم الأرقام القياسية هو العامل الوحيد لجذب الجماهير والرعاة، نحن اليوم في عصر اقتصاد الانتباه، حيث أصبح تركيز الجمهور هو العملة الأغلى، وأصبح الرياضيون والأندية يتنافسون على الظفر بها بنفس شراسة التنافس داخل الملعب، فقبل عقدين من الزمن، كان حضور الجماهير في المدرجات أو مشاهدة المباراة على التلفاز هو وسيلة التفاعل الأساسية. أما اليوم، فالمعركة الحقيقية تدور على الشاشات الصغيرة «الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي» فمقطع احتفال لاعب بهدف قد يحقق انتشارًا أكبر من المباراة نفسها ، ولحظة إنسانية، مثل احتضان لاعب لمدربه أو بكاؤه بعد الخسارة، قد تتجاوز في شهرتها أي إنجاز رياضي ولكن كيف يعمل اقتصاد الانتباه في الرياضة؟ الأندية باتت تدرك أن كل ثانية على أرض الملعب يمكن أن تتحول إلى محتوى جذاب، من لقطة مهارية إلى مشهد خلف الكواليس وذلك ما يسمى «صناعة اللحظة القابلة للمشاركة»، كما أن اللاعب لم يعد مجرد رياضي، بل أصبح مؤثرًا رقميًا. كريستيانو رونالدو، على سبيل المثال، يجذب على إنستغرام أرقام مشاهدة تفوق بعض القنوات التلفزيونية بل أصبح «علامة تجارية»، والنجاح في نشر المحتوى الرياضي لم يعد يعتمد على جودته فقط، بل على قدرته على تحفيز التفاعل الذي تكافئه الخوارزميات بالانتشار حيث أصبحت خوارزميات المنصات تتحكم في الأمور. إن تغيير استراتيجيات التسويق والرعاة أو بمعنى آخر مفهوم «تسليع المحتوى الرياضي» أدى إلى عملية تحويل الأداء الرياضي والشخصيات الرياضية والقصص المحيطة بها إلى محتوى قابل للتسويق مما أثر أيضا على سلوك اللاعبين والأندية حيث لم يعودوا يبحثون عن أبطال فقط، بل عن شخصيات قادرة على جذب الانتباه بشكل مستمر وذلك أدى الى تضخم الجانب الاستعراضي أدى الى جعل بعض اللاعبين قد يركزون على «اللقطة» أكثر من الأداء الجماعي وجعل من الرياضي مطالباً بأن يكون حاضرًا رقميًا حتى خارج المباريات، خوفًا من فقدان الجمهور. اقتصاد الانتباه جلب فرصًا هائلة للرياضة وأدى الى توسيع قاعدة الجماهير عالميًا، ورفع عوائد الإعلانات والرعاية، وأدى إلى جعل اللاعب «علامة تجارية» واعطاهم منصة للتعبير عن أنفسهم وبناء إرث شخصي، ولكن في المقابل، خلق هذا الاقتصاد ثقافة سطحية تضع «الترند» فوق القيمة الرياضية الحقيقية، وتحوّل بعض الأحداث الرياضية إلى مجرد عروض تسويقية. بُعد آخر الرياضة اليوم لم تعد مجرد منافسة بدنية أو مهارية، بل أصبحت أيضًا منافسة على عقول وعيون الجماهير، وفي ظل اقتصاد الانتباه، الفائز الحقيقي ليس فقط من يسجل الأهداف، بل من يعرف كيف يحوّل كل لحظة إلى قصة تبقى في الذاكرة.