كأحد أساليب التفكير الفلسفي والنشاط الذي يرتكز لاستخلاص استنتاجات ونواتج حداثية من مقدمات محددة، وتلمس قيم الفن الخاصة ووسائله لتطوير التفكير الفلسفي، من خلال منهجية ترتكل لتحليل المفاهيم والأفكار الفلسفية التي تعكسها الأعمال الفنية. تنبري الفلسفة الاستدلالية تجاه تفسير الفن، وتمثيل المفاهيم الفلسفية به، والتنقيب في تلك الحالة التي يستخدمها الفنان للتعبير عن المفاهيم الفلسفية، وتأطير الجمال كقيمة فنية، ومدى اتساق الجمال بالمعنى والفكرة داخل العمل، واستعراض منهجية تسطير الأفكار والمفاهيم الفلسفية المعقدة، ودور الفن في صياغة الوعي الفلسفي، وشحذ التفكير الفلسفي واجترار المتلقي لمدارات التساؤل والتأمل والتأويل والتمعن في قضايا فلسفية كوسيلة جوهرية، والبحث في العلاقة بين (الفن والعقل - وبين الفن والفلسفة) والاهتمام بدراسة كيفية استلهام مختلف الوسائط الفنية للتعبير عن الرؤية حول مواضيع ورؤى وأفكار فلسفية مثل: (الوجود - المعرفة - القيم - الأخلاق - الجمال)، وجمالية تطابق (الشكل المحسوس- المضمون الروحي- التفكير الميثولوجي). وفي سعيه الحثيث الدؤوب نحو تسطير سرد بصري حكاء يستردف الموروث البصري المحلي داخل لغة بصرية تصطبغ بهوية سعودية معاصرة، حيث مهدت بحوث "سلطان الزياد" الفنية لمنطلقات حداثية في الأداء والتعبير البصري داخل تأليفاته الفنية لتضيف إلى تراث هذا الفن تكوينات حداثية دينامية، وزوايا محورية تبلور فلسفة الفنان وعلاقته بالمحيط الذي نشأ فيه واسترداف الرموز والأفكار البصرية الحالمة، لتصدير القيمة التعبيرية سواء في اللون أو الملمس بعناصره الفنية ورموزه الاستعارية، وتلمس حلول بصرية ذات مضامين تعكس روحه الانسانية المتفاعلة مع بيئته، لتصبح أعماله أكثر إيجازاً وقدرة علي سحر المجتمع المحلي، وطرح الفكرة عبر أنماط متناوعة باختلاف دروب الفكر الذي ينتجها ويظهرها. والفنان "سلطان الزياد" ليس مجرد فنان، بل هو حالة إبداعية خاصة، ومثال حي على الإبداع الذي لا يزول، ونموذج الإصرار والتمايز، حيث تصدي للتغيير بجسارة، وتمرد على العلاقات التركيبية والتكوينية والنسب التقريبية للعناصر، بصفته أحد أهم رواد الفن الحديث الذين إستطاعوا إذابة كل ما هو مألوف، وتغيير منهج الفن التشكيلى والرؤية الفنية المعاصرة، والباحث عن التجديد من ناحية المضمون وتشكيل الوسائط، والاعتماد على عدم المبالغة في عرض مهاراته وخبرته كمصور قدير معتمداً على تبسيط الأسلوب، والحذف والإيجاز، واختزال بعض تفصيليات العناصر مع إحتفاظه بدلالته الأساسية لتصبح سهله ممتعه من خلال خطوطه السلسة ومساحاته، والاتجاه نحو تبسيط الخط والكتله، والاعتماد على الخطوط المنغمة التى استلهمها من الموروث الشرقي. فالفن لديه هو إبداع ذاتي يبحث عن غاية أخرى تنحو عن المحاكاة الصورية للطبيعة وتجسيد المثال، والمغامرة فوق الأساليب السائدة والتحليق عبر مساحات جديدة، وجاءت عوالمه الشعبية لتمثل المضمار الذي يتبارى فى إظهاره، ليس على صورة الواقع، ولكن عبر نسيج خاص واختزال تحريفي يعلي أغراض تعبيرية ورمزية وجمالية، فعبئت تأليفاته الفنية بأجواء شرقيه تهيم فيها مفرداتها وتتجانس خلالها الألوان المتباينة الساخنة والباردة مع تأثيراته الزخرفيه، عبر عوالمه المفعمة والتي نسجها من خلال فعل الإبداع والتفرد، لتفصح ضربات فرشاته عن نبض يبرز تفاعله العاطفي مع محيطه الاجتماعي والزماني. ووفق تغير الحقائق بتغير المعطيات حولها، ليمثل ما يراه الفنان أو يعتقده هو نتاج لما سطر في الوعي والفهم وفق ذلك، قام "سلطان الزياد" بنقل الصور إلى ما وراء المادي الملموس إلى عالم تحل بيئة البادية محل الاتباعي المتعارف عليه، فجسدت أعماله قدراً من الرمزية والأجواء المناخية التى تدفقت وقفزت من ذلك الرصيد الذهني الذى استخدمه الفنان للتعبير عن تجاربه في بيئة البادية، من خلال فراده الرؤية وترجمه ما حوله من حياه البادية والصحراء بما فيها من الخيام والرمال والحيوان والنبات، ليحول الفنان حرارتها وبرودتها لعوالم ذات تجليات تصدح بالمعاني اللامتناهية والتنوع اللوني الذي تصطبغ به مفرداته، لتعزيز هوية البيئة، ونحت مشهدية حكائية بطلها عناصر الموروث الشعبي. ليهتم بذلك "سلطان الزياد" بإدخال بعض الحيوانات كعناصر ضمن فكرة ومحتوى لوحاتها خاصة "الماعز" كونها رفيق وكائن مهم يحمل مدلولات زمنية ومرئية، بأوضاعها واتجاهاتها وألوانها، ليهدف الفنان لتصدير طاقة هذا العالم البريء الملهم في نظام عاطفي، يحتفي بتسجيل لحظات إنخراطه فى بيئته البسيطة ذات التجليات والطبيعة الخاصة، في دنيا البراءة المفتوحة الأجواء، وتصوير تلك العلاقات الحنينية التي نشأت بينه وبين حيوانات أليفة، في منأى عن صخب وزيف العوالم الأخرى، ضمن منظومات تعبيرية صيرورة تحقق فيها التجانس اللوني المعبر، والتأثيرات المساحية فائقة البلاغة لطرح أدوار درامية داعمة. وكونه صاحب السرديات البصرية المهمة والتجليات النابضة في مشهدية الفن البصري السعودي، وخلال تجربته الفنية، وصاحب وعي وحس مرهف، تنقل "سلطان الزياد" بين عدّة موضوعات، وبجانب أعماله التي تناولت البيئة البدوية والصحراوية، طرح أيضاً معالجات لمقاربات بصرية للزخارف الشعبية في "نجد" كزخارف استخدمت قديماً في تزيين الأبواب والشبابيك والأجزاء المعمارية النجدية، وما بها من قيم جمالية وتاريخية متجذرة في الذاكرة البصرية للمكان، والمؤسسة على الأشكال الهندسية مثل: المربع والدائرة والمستطيل والمثلث، بما يمنح التكوينات اتساقاً بصرياً وإيقاعاً مفعماً. أسلوبية تستردف الموروث وجوهره الروحي، وتأسس ذاكرة معمارية وثقافية مجتمعية، تنطلق من إعادة صياغة تلتحف بالمضمون ومشبعة بأحاسيس الفنان وشخصيته وهويته السعودية، وتفصح عن معاصره فصيحة تمزج الأصالة مع الحداثة في ثوب (يضفي المعاني وتكثيف الدلالات داخل أعماله)، (ويؤطر تقديم الهوية البصرية المحلية)، (في تواز مع اللغات العالمية) عبر رؤية الفنان الخاصة وإعادة الطرح الفني "للزخارف النجدية" بما يثري مداخل تصميم اللوحة الفنية، ويبرز إعادة إحياء التراث بأساليب تعبيرية تحفظ للموروث حضوره وتمنحه الأثر الباقي، عبر قدرات الأستاذ المتمكن على توازن وإيقاع ووحدة العمل الفني. *الأستاذ بقسم التصميمات البصرية والرقمية المساعد