تتسابق الدول لتقريب الخدمات الصحية من مواطنيها، وقد برز رقم 937 في السعودية بوصفه نموذجاً استثنائياً لهذا التحوّل الرقمي في الرعاية الصحية، حيث تجاوزت هذه الخدمة طابعها التقليدي لتصبح منصة ذكية تتفاعل مع احتياجات الناس بسرعة وإنصات، ونموذج يحتذى به في الرعاية الصحية الحديثة. ففي اتجاهات معظم خدمات الاتصال الصحي نحو التخصص أو الطوارئ فقط، اختار 937 طريقاً مختلفاً: طريق التحوّل إلى منصة صحية متعددة الأبعاد، تستجيب وتُرشِد وتربط المستفيد بنظام صحي متكامل، وأصبحت بوابة وصول مباشر إلى رعاية صحية تُبنى على التكامل بين البيانات والخدمة، من خلال منظومة تشمل الاستشارات، نقل الحالات الطارئة، استقبال البلاغات، والدعم الدوائي عبر "وصفتي" المتصلة بسجل المريض في "صحتي". اليوم، يُمثّل الاتصال ب937 بداية رحلة صحية أكثر أماناً وسلاسة، دون الحاجة للانتظار أو التنقّل، حتى في المناطق البعيدة، كما برزت فاعلية هذه المنصة خلال مواسم الحج والعمرة، حيث تحوّلت إلى مركز دعم صحي وإنساني متعدّد اللغات، قادر على الاستجابة السريعة لمختلف الحالات، في لحظات مزدحمة وحرجة. وبحسب بيانات إحصائية، فقد استقبل المركز أكثر من 8.7 ملايين مكالمة خلال النصف الأول من عام 2022، منها ما يفوق 2.5 مليون استشارة طبية، وهو ما يعكس ثقة واسعة بالخدمة وفاعليتها كمكوّن أساسي في بنية الرعاية الوطنية. القيمة المضافة ل937 لا تكمن في كفاءته التقنية فقط، بل في التجربة الكاملة التي يقدمها، حيث تتقاطع السرعة بالجودة، وتتقدّم الخدمة إلى حيث يوجد المستفيد لا العكس. إنه مشروع تتجسد فيه الرؤية الحكومية الموجهة إلى الإنسان، وتلتقي فيه أدوات الذكاء الرقمي باحتياجات المجتمع اليومية. مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الصحية، من المتوقع أن تتحول منصة 937 إلى نظام وقائي ذكي يستشعر المؤشرات الصحية بشكل استباقي من خلال تحليل أنماط الاتصال، طبيعة الشكاوى، وسلوكيات المستخدمين. هذا التطور سيُمكّن المنصة من تقديم توصيات صحية مخصصة لكل فرد، وتنبيه المستفيدين قبل تفاقم الحالة الصحية، مما يعزز التشخيص المبكر ويتيح التدخل السريع حتى قبل الاتصال الفعلي، ليصبح الدعم تفاعلياً واستباقياً، يرتكز على البيانات الدقيقة والرصد المستمر. ولا يمكن عزل نجاح 937 عن المشهد الأشمل في المملكة، فالتجربة تنسجم مع منظومة رقمية أوسع تقودها الحكومة عبر منصات عملاقة مثل: "أبشر"، و"توكلنا"، و"بلدي"، و"صحتي"، وكلها أعادت تشكيل خدمات ادهشت العالم وأذهلت المستفيد، على نحو أكثر سرعة وشفافية وجودة. في نهاية المطاف، لا يُمكن اختزال 937 في كونه مجرد رقم طوارئ، إنه تجسيد لعلاقة جديدة بين المواطن ومؤسسات الخدمة العامة، علاقة تؤمن بالجاهزية، وتبني ثقتها على الاستماع، وتطوّر أدواتها ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتصنع مستقبلاً صحياً ذكياً يُحاكي الحاجة قبل أن تُقال.