بعد تبيين مكانة «اللغة» من «الوجود» عند أفلاطون؛ من حيث علاقة «الأسماء» ب «المسميات» (الموجودات)، علاقة تمامها من وضع الآلهة، إلا أن هذا الوضع لم يُحفظ ضرورة، إذ اللغات التي بين أيدينا ليست ضرورة أن تكون كلها من وضع الآلهة. فمعيار تمييز تمام أو نقصان التسميات -كما تقدّم- بحسب الصانع (واضع الأسماء)، فالآلهة تضع الأسماء لمسميات تطابقها، لعلمها بالاسم وحقيقة المسمّى، فتسميات الآلهة تامّة. أمّا من دون الآلهة فطريقة الحكماء أو من دونهم؛ في حركة صعود حتى الوصول للوضع الأوّل للمشرعين الأوائل (نظرية المحاكاة)؛ وهذه الفكرة شديدة الاتصال بمبحث «الوضع»، وما ينبثق عنه من مسألة «المجاز»؛ بوصفه قسيما ل «الحقيقة»، في علاقة الدال بالمدلول، لا من جهة من يرى «المجاز» استدلالاً طوي، حتى بات كالمفردة. ومنهجية «نظرية المحاكاة الطبيعية»، من اسمها محاكاة الاسم لطبيعة (حقيقة) المسمّى، بمنهج يحلل المركبات إلى أجزاء، حتى نصل إلى الأوليات (الجواهر)؛ من الجمل إلى عبارات إلى أسماء إلى أسماء أبسط حتى الوصول إلى «الأسماء الأولى». و»الأسماء الأولى» هي العناصر الأولية المؤسسة للغات، وميزة الأوائل منها أنها تحاكي (تماثل) طبيعة الأشياء، أقصى ما تكون المحاكاة (أو المماثلة)، فالنتيجة: دلالة «الاسم الأوّلي» على «حقيقة المسمّى»، وفق -ما تقدم التمثيل عليه- معرفة أجزاء المقاطع والحروف؛ فأجزاء الكل دالة على الكل، فالأسماء لا تصل لمرتبة محاكاة الموجودات إلا بهذه الطريقة. أمّا أسماء الآلهة، فلها سؤال أكبر مؤطّر، وهو: هل يمكن معرفة طبيعة الآلهة؟ وبما أنّ طبيعة الآلهة غير قابلة للمعرفة، ولا الأسماء التي تطلقها الآلهة على نفسها؛ فلا بدّ من أخذ التسميات التي سمّت بها الآلهة نفسها وارتضتها للناس. أما البشر فمجال بحثهم في أسماء الآلهة محدود في البحث عن معاني أسماء الآلهة عند الناس، في زمن إطلاق هذه الأسماء على وفق فهم القدماء لها أوّل الأمر، وإمكانية اشتقاق أسماء الآلهة بحسب معرفة وظائف الآلهة. ومن ثمّ طبّق قواعده على عدد من أسماء الآلهة، نحو: كرونوس، ورهيا. وبناء على نظرية المحاكاة الطبيعية، فإن معيار المفاضلة بين اللغات في حقيقته معيار مطابقة الاسم لحقيقة المسمّى، في وسم للفلسفة اليونانية أصالة بالصلة بالطبيعة، واتخاذها مرجعيّة؛ وإن حُفّت بالإلهة، وأحياناً تُحفّ بالآلهة توظيفاً لهم لسدّ الفجوات الفلسفيّة، نحو: المحرّك الأوّل. فاللغة الأفضل هي اللغة التي تكثر فيها المحاكاة بين الاسم وحقيقة المسمّى، والاسم الصحيح هو حقيقة (عين) المسمّى، والصدق والكذب في القضايا (التي عرفت بعد ذلك بالمنطق) أساسه العلم بهذه الحقيقة، فصدق القضية منوط بمدى صدق الاسم عن المخبر عنه بالمحاكاة. وعملية البحث بهذه المنهجية هي عملية فكريّة تعني تحرّك النفس نحو الطبيعة الجوهريّة لكل شيء، وهي «التفكير». لقد تبيّن حتى الآن مسائل مهمّة، شكّلت خطاطات الفكر الإنساني الموروث، والإسلامي خاصّة، وانبثاق هذه الخطاطات من علاقة «الاسم بالمسمّى»، أو فيما بعد «الدال بالمدلول». فلحظنا أول المسائل: اللغات بين توقيفية أو طبيعية أو مواضعة، والثانية: المقابلة بين الاسم وحقيقة الموجود؛ وهذه الثانية تتصل بمبحث لغوي في تقابل أجزاء المسمّى مع المقاطع الصوتية (وقد نوقشت أيضاً في التراث الإسلامي)، والأهم مبحث علم المنطق، في أصل وحدته الأصغر «الأسماء»، ومن أين أتى الحكم بالصدق والكذب، والعلاقات «مطابقة»، و»تضمن»، «لزوم»؟ والثالثة: فلسفة حركة النفس نحو الجواهر، والرابعة: الصلة بأسماء الآلهة. هذه المسائل التي بحثت في علوم متعددة في الحضارة الإسلامية، نحو: علم الكلام (المجاز، الوضع، علاقة الأسماء بالصفات والذات...)، المنطق، اللغة (البلاغة تحديداً). فضلا عن علوم الأمم الأخرى