يشهد قطاع التجميل النسائي في المملكة نموا متسارعا، وسط تحولات اجتماعية واقتصادية أتاحت للمرأة السعودية الدخول بقوة إلى مهن كانت حتى وقت قريب تُدار في الظل. من بين أبرز هذه المهن، تأتي مجالات المكياج وتصفيف الشعر، حيث باتت كثير من الشابات السعوديات يعملن لحسابهن الخاص، ك"ميكب آرتست" أو "هير ستايلست"، خارج إطار المشاغل والصالونات التقليدية، مستخدمات منصات التواصل الاجتماعي كواجهة للترويج والانتشار. ووفقا لتقرير صادر عن شركة Infinium Global ، بلغت قيمة سوق الصالونات النسائية والخدمات التجميلية في السعودية نحو 1.585 مليار دولار أمريكي في عام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 3.148 مليار دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10.6 % ، أما على مستوى خدمات التجميل الفردية (مثل تصفيف الشعر، المكياج، العناية بالبشرة)، فيشير تقرير صادر عن شركة 6Wresearch إلى أن السوق السعودي يشهد نموا مستمرا بمعدل 4.8 % سنويًا خلال الفترة من 2025 حتى 2031، مدفوعا بزيادة الطلب وتوسع الفئة الشابة من المستهلكات. هذه القفزة الاقتصادية تتوازى مع ارتفاع نسبة مشاركة السعوديات في سوق العمل. ووفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء، ارتفعت نسبة مشاركة النساء السعوديات من 20.2 % في عام 2018 إلى 33.2 % في عام 2020، ثم بلغت 36.2 % بنهاية الربع الأول من عام 2025، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس) في تقاريرها عن مؤشرات العمل. ومع توسع السوق، تشير التقديرات إلى وجود نحو 4,000 صالون نسائي في المنطقة الشرقية فقط، بحاجة إلى توظيف ما لا يقل عن 7,000 سعودية لتغطية الطلب، بحسب تقرير منشور في OpenPR هذا الرقم يعكس وجود فجوة في القوى العاملة النسائية السعودية داخل القطاع، رغم وجود آلاف المؤهلات. وهو ما أتاح للسعوديات فرصة البدء بمشاريعهن الخاصة بعيدًا عن الاشتراطات لافتتاح صالونات مرخصة. شروط افتتاح صالونات التجميل ورغم اتساع السوق وتزايد الطلب، الا ان هناك اشتراطات لافتتاح صالونات تجميل نسائية بشكل نظامي ، إذ تشترط وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وجود سجل تجاري خاص بنشاط "صالون نسائي"، ورخصة تشغيل من منصة "بلدي"، إضافة إلى موافقة الدفاع المدني على توفر اشتراطات السلامة مثل أنظمة الإطفاء والتهوية ومخارج الطوارئ، كما تفرض اللوائح اشتراطات تصميمية دقيقة، من أبرزها أن تكون الواجهة من زجاج عاكس يمنع الرؤية من الخارج، ووجود فاصل بصري بين منطقة الاستقبال وغرف الخدمة، إلى جانب تعليق لافتة "يمنع دخول الرجال". ويُشترط ألا تقل مساحة الصالون عن 40 مترا مربعا، مع تقديم مخطط هندسي داخلي معتمد. وفي الجانب المهني، يتوجب حصول جميع العاملات على شهادات صحية سارية تثبت خلوهن من الأمراض المعدية، وتوفير أدوات تعقيم وبيئة صحية داخل الموقع. كما تشترط الأنظمة أن تكون مديرة الصالون سعودية الجنسية، أو من تنوب عنها سعودية، فيما يُطلب من المتقدمات دون سن 25 عامًا الحصول على دبلوم تجميل معتمد. هذه الاشتراطات، رغم أهميتها في ضبط السوق وحماية المستهلكات، ترى فيها كثير من السعوديات المستقلات أنها مرتفعة التكاليف، ما يدفعهن إلى العمل خارج الإطار النظامي، إما من المنزل أو بتقديم خدمات متنقلة. تحديات المنافسة وبحسب مختصين، فإن الفتيات السعوديات يواجهن منافسة شرسة من العاملات غير السعوديات في هذا المجال، خصوصا مع غياب الرقابة الدقيقة على بعض الصالونات غير النظامية التي تستقطب خبيرات تجميل ومصففات من جنسيات مختلفة، مما قد يؤدي إلى تقليص الفرص المتاحة للسعوديات. إلا أن كثيرا من الشابات تجاوزن هذه العقبة بالاعتماد على مهاراتهن والتسويق الذاتي عبر "الإنستغرام" و"سناب شات"، مقدمات خدمات منزلية أو متنقلة، معتمدات على الثقة، والعلاقات الشخصية، والجودة في العمل. وتسعى العديد من السعوديات اليوم إلى تطوير مهاراتهن عبر الدورات المعتمدة والتدريب المهني في مجالات متخصصة، بدءا من "الميك أب السينمائي" وصولا إلى العناية بالبشرة وتقنيات الشعر الحديثة، ما يعزز من فرصهن في فرض حضورهن كمحترفات في سوق آخذ في الاتساع والتنوع. وفي ظل هذا الواقع، يُطرح تساؤل مهم: كيف يمكن تنظيم هذا القطاع بطريقة تحفظ حق السعوديات في العمل الحر، وتضمن بيئة عادلة للمنافسة، دون إقصاء أو تهميش، خصوصا في ظل إقبال شريحة واسعة من المجتمع على الخدمات التي يقدمنها. المنافسة غير عادلة تفتح رزان حقيبة المكياج الكبيرة التي اعتادت تجهيزها منذ سنوات، ترتب أدواتها بعناية في زواياها الخاصة، ومعها مساعدتها الفلبينية التي باتت تعرف ترتيب كل قطعة عن ظهر قلب. كل لون في العلبة له حكاية، وكل فرشاة تحمل ذكرى وجه مرت بها. تنطلقان معا إلى أحد المنازل، ضمن جدول يومي مزدحم لتحضير عروس أو سيدة تستعد لمناسبة خاصة. رزان الشمري، 34 عامًا، سعودية بدأت من المنزل، وتقول إنها حاولت في البدايات أن تعمل ضمن صالون تجميل، لكن التجربة لم تكتمل. وتقول: "ما قدرت أكمل، بس الحمد لله ما وقفت، بالعكس اعتمدت على نفسي، وثبت وجودي خطوة بخطوة. ورغم النجاح، إلا أن شعورًا بالخذلان يطفو حين تتحدث عن واقع السوق اليوم تقول رزان: "المنافسة غير عادلة. كثير من غير السعوديات يشتغلون بدون رخص، وبدون تصاريح، ويأخذون المبالغ نقداً بدون تحويلات رسمية. السوق صار يعج بالمتطفلات، وهذا يضايقنا كمحترفات نشتغل بوضوح ونلتزم بالنظام. وتواصل رزان حديثها بابتسامة ممزوجة بالإصرار: "رغم كل شيء، أنا فخورة إن رحلتي كانت من الصفر وبجهدي الخاص وهذا اللي يخليني أقدّر كل إنجاز مريت فيه، مهما كان بسيط. بين الشغف والمحاربة وفي جانب مختلف، تعمل دانية المانع، هير ستايلست سعودية تعلّمت أسرار المهنة في ورشة صغيرة بجدة قبل عشر سنوات. لم تكن بدايتها سهلة، بل مليئة بالرفض، والهمس، والعبارات الجاهزة: "ما في سعودية تشتغل كوافيرة. لكنها استمرت. بدأت من تصفيف شعر قريباتها، ثم تطوّر الأمر لحجوزات عبر واتساب، ثم عملت لفترة قصيرة من داخل مشغل منزلي صغير. "أكثر من مرة واجهت سخرية مباشرة من نساء قريبات: 'ما ينفع لكِ هذا الشغل. وش بيقولون عنك؟ لكن لما شافوا الطلب والمهارة والفلوس تغيّر كل شيء. ورغم أن المجتمع أصبح أكثر تقبلًا اليوم، ترى دانية أن التحدي الأكبر لم يعد في النظرة، بل في المنافسة الخفية التي تواجهها كل يوم. توضح دانية: "اليوم ما عادت المشكلة إنك آرتست سعودية. المشكلة إنك وحدك السوق فيه محاور وتكتلات، واللي ما عندها واسطة أو علاقات تظل على الهامش مهما كانت مبدعة. محاربة غير معلنة تحكي رزان موقفًا لا تنساه: "واحدة من صديقاتي سعودية محترفة، خذت دورات في فرنسا، ومع ذلك رفضوا تعيينها في صالون جديد افتتح في حي راق. قالوا لها بالحرف: البنات السعوديات كثير شكاوى عليهم، والواقع؟ هم يخافون من التزامها بالنظام وحقوقها كعاملة. أما دانية، فتصف الأمر بأنه "محاربة ناعمة ": تخفيض أسعار غير السعوديات بشكل مبالغ فيه، نشر تعليقات سلبية في قروبات الزبونات، بل وحتى وضع عراقيل أثناء تسجيل السعوديات في الفعاليات أو الورش. وتبين:" مرة قدمت على ركن داخل معرض تجميلي معروف، تم رفضي بدون تبرير، رغم أني كنت من أوائل المسجلات. وبعد كم أسبوع رأيت نفس الركن مع آرتست غير سعودية عن طريق معارفها. من يحمي السعوديات رغم وجود تنظيمات رسمية، مثل رخص التجميل المنزلية والتراخيص الفردية، إلا أن الضيفتين تؤكدان أن السوق ما زال مفتوحا لغير المرخصات، وأن الرقابة لا تطال الجميع. تقول رزان: " هناك بنات يشتغلون بدون أي تصريح، ولا تقيد بأي لائحة، بينما أنا أنصدم من مخالفة لأنني تأخرت في تجديد الرخصة يومين. وتضيف دانية: "أحيانا أحس إن النظام يُطبق علينا فقط، بينما غيرنا يشتغل براحة ويكسبون أكثر، ونحن نطالب بالعدالة فقط . وطالبت رزان بإنشاء منصة رسمية لتقييم خبرات العاملات في القطاع، وإبراز السعوديات المجتهدات بدل ترك السوق لآراء شخصية وتوصيات غير مهنية. أما دانية فتقترح تخصيص دعم حكومي لصالونات تُشغّل سعوديات، مع فرض حد أدنى من التوطين الحقيقي، وليس شكليا. وتضيف: "ما نلقى فرصة نشتغل في قطاع المفروض إنه يخصنا؟ الجمال جزء من ثقافتنا، ليه نكون فيه ضيفات؟ بنت البلد تفهمنا ورغم هذه التحديات، إلا أن حضور السعوديات في هذا القطاع بدأ يفرض نفسه بقوة، ليس فقط بحكم النظام، بل بثقة الزبائن أنفسهن، اللاتي وجدن فيهن ما افتقدنه طويلاً. الفهم، والذوق، والاحتراف. خلود (38 سنة)، وهي موظفة في القطاع الخاص تقول: "جرّبت كثير من السعوديات والأجنبيات، وبصراحة السعوديات يعرفون أذواقنا. ويعملن المكياج بطريقة ناعمة، تحافظ على ملامح الوجه ، وتشاركها الرأي دلال (45 سنة)، أم لثلاث بنات: "أرتاح لبنت بلدي أكثر. يحترمون الخصوصية، ما في تطفل، ويجتهدون ويعملون باخلاص . وكل شيء معقّم . ريم (29 سنة)، تتذكر يوم زفافها وتقول: "ما كنت اريد مكياج يغيرني، وخشيت ان أطلع بشكل غير مناسب، لكن الميكب ارتست شهد العقل فهمتني من أول لحظة. كانت تسألني وتناقشني، ولما انتهيت ، أما أمل (34 سنة)، فتربط قرارها بالدقة والاهتمام بالتفاصيل، وتقول: "المكياج بالنسبة لي مو بس تجميل، هو خدمة، وتعامل، وراحة. مره عملت مكياج مع تهاني شابة سعودية لحفل زواج ، وبعد المناسبة أرسلت تسأل إذا كل شيء كان تمام! بصراحة مين يسوي كذا؟ بناتنا السعوديات يهتمون حتى بعد الخدمة. لكن هند الوابل (41 سنة)، ذهبت أبعد من ذلك، حين قالت: "أنا فقدت الثقة في كثير من اللي يشتغلون من غير نظام وأصبحت ما اتعامل إلا مع النظاميات في هذا المجال وتوضح:" مرة اتفقت مع وحدة من جنسية عربية لعمل مكياج لحفل قريبتي، تركتني بنص الشغل وطلعت لمجرد أنها عصبت علي لأن ملاحظاتي كثيرة ولم تستحملها. السعوديات أفضل، نعرفهم، ونرتاح لهم، ونعرف كيف نحاسبهم. أحس بالأمان لما أتعامل مع بنت بلدي. السعوديات في مواجهة شرسة مع العاملات الأجنبيات