استغلت الهند مصالحها الإقتصادية والإستراتيجية من اجل تعميق علاقاتها مع العالم العربي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبيرة من حيث توقيع مشاريع البنية التحتية العابرة للقارات الى صفقات ضخمة في مجال الطاقة والتعاون الأمني والدفاعي غير مسبوق. وقد شهدت العلاقة بين الهند والعالم العربي تطوراً ملحوظاً اثر الزيارات المتكررة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الدول العربية خلال السنوات الإحدى عشر الماضية . ومن احدث التطورات التي تسلط الضوء على هذه العلاقة وهي عبارة عن الزيارات المتكررة التي قام بها مود إلى المملكة العربية السعودية، ثم دولة قطر ، مما يعكس بوضوح أن الهند تتمتع بعلاقات دافئة جدًا مع معظم دول المنطقة ، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. فلا شك أن الفضل في هذا التطور الكبير يُنسب إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والحرص السعودي على توثيق علاقاتها بالدول الصديقة. ويلاحظ أنه لم يأت ذلك نتيجة ردود فعل عشوائية أو نتيجة استجابات تلقائية بل كان ذلك على اساس خلفية قوية ومتينة حيث لاحظنا أن رئيس الوزراء الهندي الذي تم تكريمه من قبل عدد من الدول خلال العقد الماضي و أول دولة قامت بتكريمه لم تكن سوى المملكة العربية السعودية. ففي عام 2016م، قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنح مودي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الممتازة، وهو أعلى وسام في المملكة العربية السعودية يُمنح للشخصيات غير المسلمة وذلك خلال حفل خاص أقيم تكريمًا للضيف الهندي الزائر للسعودية. وفيما بعد منح لرئيس الوزراء الهندي أرفع الأوسمة المدنية من قبل عدد من الدول بما في ذلك دولة فلسطين وسامها الأعلى في عام 2018م وتلتها دولة الإمارات العربية المتحدةوالبحرين في عام 2019م، ثم جمهورية مصر العربية 2023م. وعلى الرغم من أن هذه الجوائز مُنحت لمودي شخصيًا، فإنها تعكس علاقات وثيقة بين الهند والدول العربية في حين ساهمت زيارات مودي لعدد من دول جامعة الدول العربية، بما في ذلك البحرين، ومصر، والأردن، والكويت، وعُمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، وفلسطين دليل على تعزيز التقارب بين الهند والعالم العربي . ومن جهة ثانية ، تستضيف الدول العربية أكثر من 10 ملايين هندي من الجالية الهندية في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، والبحرين، وقطر، والكويت، وكذلك مصر حيث استثمرت الهند بشكل كبير في هذه الدول في حين يتم تلبية 60٪ من احتياجاتها من الوقود والغاز من خلال الدول العربية وفي الوقت نفسه أن إعلان "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" مشروعًا طموحًا للغاية، لفت أنظار العالم بأسره . بالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس الوزراء مودي ورؤساء حكومات الدول العربية قد استثمروا بشكل كبير في علاقاتهم الشخصية على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية، مما أسهم بشكل كبير في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أوسع تتجاوز حدود السياسة والاقتصاد دون استثناء. كما يقول تقرير صادر مؤخراً " لقد لاحظنا أيضاً أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، ورئيس مجلس وزراء المملكة العربية السعودية يتشاركان برؤية مشتركة للعلاقات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي" على حسب وصفه حيث تعد هذه من ابرز الأسباب التي جعلت الهند والعالم العربي يتشاركان علاقات قوية وتاريخية والتي تتميز بالتجارة النشطة، والتبادل الثقافي، والشراكات الاستراتيجية، لا سيماً في مجالي الطاقة والأمن. كما تتسم هذه العلاقات بكونها متعددة الأبعاد، تشمل التعاون الاقتصادي، والحوار السياسي، والتواصل والروابط بين الشعوب واليوم تعد دول جامعة الدول العربية جزءاً من الجوار الموسع للهند. كما يمكن القول إن التزام الهند الراسخ بتعميق التعاون مع هذه المنطقة وتوافق على وجهات النظر حول التطورات الدولية الكبرى والعلاقات الإقتصادية والتجارية القوية تشكل اساس العلاقات الهندية - العربية حيث يمر معظم التجارة الخارجية للهند عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن . وهناك ايضاً استثمارات هندية حيوية في دول تمتد من عُمان والمملكة العربية السعودية إلى كل من مصر والسودان وغيرها . وقد تجاوزت العلاقات التجارية بين الهند والعالم العربي اختبار الزمن ، كما يتجاوز اليوم حجم التبادل التجاري بين الهند والدول العربية 240 مليار دولار أمريكي سنوياً في حين تلبي الدول العربية ايضاً حوالي 60% من واردات الهند من النفط الخام وأكثر من 50% من الأسمدة والمنتجات ذات الصلة مما جعلت هذه الشراكة قوية ومتينة وجزء لا يتجزء.