الحوار ليس حربا بين أعداء، وإنما محاولة مشتركة للوصول إلى فهم توافقي ومنطقي، بعيدا عن التعصب والخصام، ولا بد من احترام الاختلاف في وجهات النظر، لأنه يسهم في تماسك المجتمع.. المفكر الألماني الكبير يورغن هابرماس، يرى أنه عندما يجلس شخصان على طاولة حوار، فإن آخر ما يفكران فيه هو الحوار نفسه، لأن كل طرف يحاول الانتصار لرأيه، وإثبات صحة كلامه، وأن ما يقوله الآخر عبثي وفاسد وبلا معنى، دون التفكير في أسباب وخلفيات موقفه الحاد والمتشنج، ومحاولة الوصول معه لفهم مشترك، وبينجامين بيرغن، عالم الإدراك السلوكي، رأى في كتابه: ماذا لو؟ بأن الشتائم لا يقصد بها إهانة الآخرين، والصحيح أنها تعبر عن كتل متدفقة من المشاعر، ومن الأفكار الداخلية المعقدة، التي لا يعرف صاحبها طريقة مناسبة للتعبير عنها، وبحسب آرثر ألن، أستاذ علم النفس الاجتماعي، في جامعة بيركلي الأميركية، لا يمكن الوصول إلى حوار فاعل مع الآخر، بدون تواصل بصري أثناء الكلام، لأن العيون تقدم فهما دقيقا لشخصية المتكلم، وبصورة لا تستطيع الكلمات وحدها إيصاله، وربما استلطفه المستمع بدرجه أكبر. المشكلة أن بعض الناس، لا ينظرون إلى الصورة الكاملة، فالقرآن الكريم قبل غيره، تعهد بحفظ مقولات الخصوم، وأوردها بالتفصيل ضمن آياته، ومن بينها، أبليس وتجاوزاته على الذات الآلهية، وما فعله أصحاب الديانات الإبراهيمية بما فيها الإسلام مع الأنبياء، وبالتالي فالحوار ليس حربا بين أعداء، وإنما محاولة مشتركة للوصول إلى فهم توافقي ومنطقي، بعيدا عن التعصب والخصام، ولا بد من احترام الاختلاف في وجهات النظر، لأنه يسهم في تماسك المجتمع، وهناك مقولة قديمة ترى بأن العلاقة بين المتحاورين لا ينبغي أن تكون علاقة مقامرة، بمعنى وجود رابح وخاسر فيها، والمفروض ان تأخذ شكل علاقة الشراكة، وبطريقة تجعل الطرفين يخسران ويربحان معاً، وبما يحيد الضغينة والتنافس ومحاولة تأكيد الذات. كان الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو، العدو الأول للشعب الأميركي عام 1967، وفي ذلك الوقت، عرض باحثان من جامعة دوك الأميركية، مجموعة مقالات مؤيدة لكاسترو، على عينة من طلاب الجامعة، وكانت مكتوبة بأقلام زملائهم، وقالا بأنهما أجبروهم على كتابتها، والعجيب أن غالبية الطلبة لم يصدقوا ما قيل، لأنهم افترضوا أن إجبارهم، لا يعني بالضرورة، عدم وجود إعجاب سري بداخلهم لكاسترو، وأنهم استغلوا التجربة لإظهار هذا الإعجاب، وانتهى الباحثان إلى أن غالبية الناس، وبالأخص إذا تمت مواجهتهم بفكرة تعارض معتقداتهم، لا يلتفتون إلى الظرف أو السياق الذي قيلت فيه، وإنما يهتمون بتوجبه اللوم على من قالها حتى ولو أجبر عليها. في عام 1920 تم اكتشاف ميكانيكا الكم، ووفق الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبيرغ، عراب هذه النظرية، فإن الناس لا يرون الطبيعة على حقيقتها، وما يشاهدونه فعلاً هو طريقة تفاعلها مع تجاربهم، ومن الأمثلة، أن الإلكترون إذا راقبناه يتصرف وكأنه جسيم، وعندما لا نركز عليه يصبح موجة، والمختصون، يرون أن أحكام الناس ووجهات نظرهم، تشبه في عملها هذه الفكرة، وأانها تتأثر بالتجارب والاهتمامات والمصالح الشخصية، وبطريقة الأشخاص في النظر إليها وتقييمها، ولاحظ خبراء في تربية الأطفال أن الأمير وليام أمير ويلز وزوجته الأميرة كيت ميدلتون، كانا كلما تحدثا إلى أطفالهم الصغار، ينزلون على ركبهم حتى يصلوا لمستوى نظرهم، وفي رأيهم، فقد كانت هذه الحركة، لا تتوقف عند إشعار الأطفال بالتركيز الكامل عليهم، فالنزول لمستواهم يعزز من ثقتهم بأنفسهم، ويجعلهم في فترة لاحقة، قادرين على الحوار الفاعل والمتوازن مع من حولهم. استكمالا لما سبق، قام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، بزيارة إلى البرازيل، في أواخر الخمسينات الميلادية، وظهر للبرازيليين وهو يبتسم ويشير بيده، وكانت الإشارة على شكل حلقة بين السبابة والإبهام مع رفع الأصابع، وما فعله يعطي دلالة عند الأميركيين على الدقة والإتقان، إلا أنه يحمل معنى جنسيا سيئا في البرازيل، والتصرف لم يعجبهم، ووصفوا نيكسون بالشخص الجاهل، الذي لا يعرف تقاليد البلدان التي يزورها، وأنه يمثل الغرور الأميركي، وقد نجح الشيوعيون في استغلال تصرفه غير المقصود، وشحن الشارع البرازيلي، ضد المنشآت الأميركية الموجودة في أراضيهم، والمنطقة العربية لا تبتعد كثيرا، وتوجد بها تربصات بين السني والشيعي، والمتدين والعلماني، ومؤيدي الأفكار والأشخاص، والرافضين لها ولهم، والمستغلين لكل هذا وغيره، والمشهد واضح ومعروف، وبالإمكان رصده على السوشال ميديا، وتحديداً في أزمات الشرق الأوسط الحالية. ما سبق يقودني إلى الدكتور القدير عبدالله بن محمد الفوزان، الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي قال في حوار متلفز عام 2018، إن المركز قام بإجراء استطلاع على نفسه، واتضح أن 68 % من الناس لا يعرفونه، وأخمن تراجع الرقم كثيراً هذه الأيام، فقد سحبت السوشال ميديا البساط من تحت أقدامه، والمنتظر منه القيام بأدوار أكبر، كتعزيز التعايش بين المختلفين من المواطنين قبل الآخرين، وأقصد الجوانب الفكرية لا العقائدية، وخصوصاً التشكيك في الآخرين والدخول في نياتهم، من قبل كائنات صفرية بلا تاريخ أو منجز شخصي، والسابق يعتبر محترما جداً، مقارنة بألفاظهم الخارجة.