يُعد الحوار من أهم وسائل التواصل وبناء الثقة في المجتمعات الإنسانية، فبالحوار يتم إزالة الكثير من المفاهيم والتصورات الخاطئة والمتوهمة عن الطرف الآخر، وبه يسود المجتمع طمأنينة وألفة ومحبة، لذا فمن الأمور الواجب معرفتها قبل التحاور أن يكون الحوار وسيلة للتفاهم مع اليقين الداخلي أن الطبيعة البشرية أساسها الخلاف وهي مجبولة عليه، ويعد الحوار لغة راقية متى كان المعنيون بذلك يهتمون به، من خلال احترامهم للرأي والرأي الآخر. والحوار وسيلة تفاهم للوصول إلى حلول مشاكل مجتمعية عديدة سواء على الصعيد الأسري، أو في بيئات العمل، أو العلاقات الاجتماعية، والحوار الجيد يبنى على التفاهم والاستماع وإعطاء مساحة للاختلاف، ويسهم في بناء أرضية مشتركة للتعايش والتعاون بين أطياف المجتمع كافة، ويساعد على تقوية شعور الأفراد بالرضا، وكذلك يساهم في تقبل القرارات الصادرة برحابة صدر بعيدًا عن التشكيك، كذلك يؤدي إلى الحفاظ على حقوق الناس ومصالحهم على كافة المستويات وفي كل المجالات. لغة راقية وقال د. عبدالله دريع العنزي: إن الحوار لغة تعبّر عن الآراء والتوجهات بأدب ولباقة مع عدم مصادرة آراء الآخرين سواء بالقوة أو بالصراخ وعلو الصوت، أمّا الذين لا يعترفون أو يقللون من لغة الحوار فهُم من خلال عدم اعترافهم بالرأي الآخر ولا تقبل أفكار الآخرين، يخسرون، خاصةً أن ترسيخ ثقافة الحوار وروح التسامح وقبول التنوّع الفكري لأي مجتمع يضمن التغلب على التحديات والوصول لأرضية تفاهم مشتركة لأي مشاكل وحلها بسرعة، مضيفاً: "كنت أؤمن ولا زلت بأن الحوار وسيلة للتفاهم والوصول للحلول لمشاكل مجتمعية عديدة، فهناك من يُظلم لسبب يجهله بسبب إشاعة مغرضة أو بسبب مواقف سابقة، وهناك من تُشوّه صورته قبل لقاء رئيسه أو بين زملائه، وهناك من يؤخذ بجريرة أخطاء غيره، وهناك من يُهمّش ويتم اقصاءه من موقعه بسبب مرافقته لفلان وفلان، وهناك أُسر تفككت بسبب غياب لغة الحوار، وصداقات انقلبت لعدوات بسبب دسيسة أو غيبة أو لسوء فهم، فما أجمل لغة الحوار، فهي لغة راقية متى كان المعنيون بذلك يهتمون بها، من خلال احترامهم للرأي والرأي الآخر المخالف لهم". احترام متبادل ورأى د. عبدالواحد الحميد أن الحوار البناء هو ما نحتاج إليه في هذه الأيام الصعبة، ولكي نتحاور لابد أن يسود بيننا الاحترام المتبادل، وألاّ يتحول الحوار إلى تبادل للشتائم أو -في أحسن الأحوال- حوار طرشان لا أحد يستمع فيه للآخر، مبيناً أن ظاهرة الحوار التي بدأت عبر الصحافة وشبكة الإنترنت يمكن أن تكون جيدة للغاية، فمن الحوار "ينبثق النور" كما يقال، لكن اللغة التي تسود كثيراً من الحوارات هي -مع الأسف- لغة متشنجة وهجومية بل وعدوانية في بعض الأحيان، مضيفاً أن الحوار لن يكون مثمراً إذا كان أساسه سوء النية في الطرف الآخر، فكل كلمة تقال سيتم تفسيرها من منظور محدد سلفاً، لذلك لا يكون لهذا النوع من الحوار قيمة حقيقية، وقد يؤدي مثل هذا الحوار إلى توسيع دائرة الخلاف بين الأطراف المتحاورة، مبيناً أن سبب "أزمة الحوار" لدينا هو أننا لم نتعود على الحوار أساساً، فكل الأمور تؤخذ على أنها مسلّمات، ومن يتحاور ويتساءل يتم تصنيفه في كثير من الأحيان على أنه شخص يحب إثارة البلبلة والمشكلات وأحياناً أسوأ من ذلك، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بثقافة المجتمع، وليس المقصود هو المجتمع السعودي تحديداً، وإنما المجتمعات العربية بشكل عام، وقد أتاحت لنا برامج الحوار المباشر في الفضائيات العربية أن نتعرف على نماذج عجيبة من الشخصيات العامة التي كنا نتوقع منها لغة راقية في الحوار لكننا فوجئنا بمدى ضيقها بالرأي الآخر. الانسحاب أفضل وعن أهمية لغة الحوار قال د. خالد الشغدلي: الحوار وسيلة تفاهم للوصول إلى حلول مشاكل مجتمعية عديدة سواء على الصعيد الأسري أو في بيئات العمل أو العلاقات الاجتماعية، مضيفاً أن الحوار الجيد المبني على التفاهم والاستماع وإعطاء مساحة للاختلاف يسهم في حل هذه المشاكل، مبيناً أنه لطالما كان الاستماع الجيد واللغة الواضحة أهم أسباب نجاح الحوار بين الطرفين، حيث أن الاعتداد بالرأي والأحادية في لغة التخاطب تزيد الأجواء تعقيداً من جهة ومن جهة أخرى ينبغي على الطرف الآخر الاستماع الجيد وعدم الانشغال بالتحضير للرد قبل فهم الطرح واستيعابه ثم التفاهم بهدوء، مؤكداً على أنه لنجاح الحوار نحتاج لتنمية المهارات المتعلقة به مثل الاستماع والتركيز والفهم الجيد، مشيراً إلى أن هناك مهارات قد تكون بعيدة لكنها تسهم وبشكل فعّال مثل الثقة بالنفس وبعد النظر ومحاولة تقبل الرأي الآخر، متأسفاً أنه لطالما ضاعت حقوق واستضعف الكثير بسبب غياب الحوار المتزن والطرح المنصف، وأخيراً قد يكون الانسحاب من الحوار غير الجيد انتصار حقيقي للذات المتزنة. لغة سلام وعدَّ د.سامي بن أحمد خياط الحوار كلغة سلام وسبيلٌ لحل المشكلات والمعضلات، فالحوار من أهم وسائل التواصل وبناء الثقة بين الأفراد في المجتمع الإنساني، وبالحوار يتم إزالة الكثير من المفاهيم والتصورات الخاطئة والمتوهمة عن الطرف الآخر، وبه يسود المجتمع طمأنينة وألفة ومحبة؛ وافتقاد لغة الحوار بين الناس سواء على مستوى الأسرة، أو المجتمع قد يؤدي إلى التشنج والتعصب للرأي، كما يؤدي فقدان لغة الحوار إلى سوء الظن، واتخاذ مواقف سلبية بين الناس؛ لهذا نلاحظ أن الإسلام اهتم بموضوع الحوار في تشريعاته؛ بل رسخ هذا الأسلوب في التعامل بين الناس، ومن الأمثلة عليه ما حكاه الله جل وعلا عن حوار صاحبي الجنتين في سورة الكهف "فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً"، وحكى ربنا سبحانه حوار الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت لما ظاهر منها زوجها للنبي، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي أنها حرمت عليه، فراجعت النبي مراراً تشتكي إليه أنه زوجها ولم يذكر في ظهاره طلاقاً إلى أن أنزل الله فيها قرآناً وبين أحكام الظهار وكفارة فيه، قال سبحانه: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، وحاور النبي الأعرابي الذي بال في المسجد وقد هم الصحابة بزجره ونهره فقال لهم دعوه، فإنما بعثتم ميسرين، فلما قضى الأعرابي حاجته في المسجد، دعاه وقال له: "إنَّ هذه المساجِدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البَولِ ولا القَذَرِ، إنما هي لذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، والصَّلاةِ، وقراءةِ القُرآنِ". متفق عليه، فحاوره وعلمه. وأضاف أنه هكذا يكون الحوار وسيلة نافعة وناجعة لحفظ تماسك المجتمع، وتعزيز وحدته ووئامه، وتقوية لحمته، فعلينا العناية بالحوار فيما بيننا، وتعلم طريقته وآدابه والتحلي بها، كما علينا الحذر من الريبة، وإساءة الظن في الناس، فبالحوار الهادئ يحصل الوئام، وتزول التشاحنات أو البغضاء التي يسعى الشيطان لإيقاعها بين الناس، وقدوتنا في هذا النبي وسيرته العطرة مليئة بصور الحوار مع أصحابه رضي الله عنهم، وكذلك حواراته مع المشركين، والمنافقين، واليهود. الانسحاب من النقاش "غير الجيد" انتصار للشخص المُتّزن رحابة صدر وتحدث المستشار في التنمية البشرية والأسرية أحمد محمد السعدي قائلاً: الحوار يعد وسيلة فعالة لحل المشكلات وتحقيق السلم المجتمعي، فالحوار الجيد يساهم في بناء أرضية مشتركة للتعايش والتعاون بين أطياف المجتمع كافة، ويساعد على تقوية شعور الأفراد بالرضا، وكذلك يساهم في تقبل القرارات الصادرة برحابة صدر بعيدًا عن التشكيك، كذلك يؤدي الحوار إلى الحفاظ على حقوق الناس ومصالحهم على كافة المستويات وفي كل المجالات لذلك يعد الحوار الجيد في صميم العمل الجماعي المنتج والمشاريع الناجحة والقيادة الفعالة، مضيفاً أنه يجب على المتحدث أن يحاول استخدام الآليات التي تلفت انتباه الحضور وتبسط الأفكار بين الحين والآخر، بحيث يعمل على طرح التفسيرات الكاملة، وإجابة الأسئلة المطروحة بشكل فعّال بعد فهمها جيداً، ثانياً يجب على المتحدث أن يحاول الإصغاء بانتباه شديد، حيث يفشل العديد من المتحاورين في الفصل بين استيعاب السؤال وإجابته بشكل منظّم دون أيّ خلط. جميل اللفظ وقال د. بدر بن بخيت المدرَّع -أستاذ القانون المشارك-: الكل منا لا يخفى عليه معنى الحوار وتعريفه ومرادفاته، فمواقف الحوار عظيمة، وتؤكد مدى أهميته حينما نجد الرب سبحانه وتعالى يحاور ملائكته عن خليفة الأرض، وحوار الله للرسل، ويظن البعض وهذا مستغرب أن الحوار يكمن في المناقشة أو المناظرة، بل الأدهى من ذلك فهمهم معنى الحوار أنه تحوير عقول الآخرين على تقبل وجهة نظره، والمعنى الأسمى للحوار حينما يكون فيه طابع الاحترام الذي يعتبر ركيزة أساسية فيه، وهذا يسهل تقبل الآخر فيما تربوا النفس للوصول إليه، مضيفاً: "لذا فمن الأمور الواجب معرفتها قبل أن تتحاور ولكي يكون ذلك الحوار وسيلةً للتفاهم مع اليقين الداخلي أن الطبيعة البشرية أساسها الخلاف وهي مجبولة عليه، فحينما تتحاور تسأل الله القبول كي تكون أنت والآخر في مركب الاتفاق، مع اعتبار أن الله أكد أنه جعل الناس مختلفين، ومع العلم أن هذا الاختلاف ليس خطأ في الآخر بل يجب تقبله لاختلاف الثقافة والخبرة، ومعرفة أنه من المستحيلات البقاء على الإجماع على رأي واحد كي يكون هناك تفاهم نصل من خلاله إلى تقبل أثناء الحوار"، مبيناً أن للحوار آداب حتى نبقيه في مسار التفاهم ونحميه عن مسار المجادلة والمناظرة ومن تلك الآداب انتقاء جميل اللفظ وحسن العبارة واختيار أطيب الكلام بدلاً من بذيئه، وليس منهج الحوار المؤطر بالتفاهم أن يكون مملوءً بالإفحام والسعي للانتصار، فهذا ليس معنى الحوار بل يبعده عن التفاهم، وبالمناسبة فإن شجاعة المحاور تظهر حينما يتقبل رأي الآخر حينما يكون صحيحاً، لا يسيئ له لعدم قناعته بذلك. منزل ومدرسة وأوضح د.المدرَّع أن أحد الركائز التي يحكم بها على الشخص حسن حواره ومدى تفهمه للآخر واكتشاف وجه الشبه وتفهم الاختلاف، مما يعزز المعنى الحقيقي في جعل الحوار ليكون وسيلة تفاهم، وهذا هو أهم عوامل النجاح في الحوار، لذا علينا تأسيس مبدأ الحوار عند التحدث مع أبناءنا وبناتنا، مؤكداً على أن نواة التفكير المشترك تبدأ من المنزل ومن ثم على المعلمين التربويين إكمال دفة الحوار إلى أسمى طرقها كي نرى النضج والاحترام في مجتمعنا على أكمل وجه، من خلال قبول الآراء الأخرى، التي تؤكد الإسهام في سعة الأفق، فتميزنا بهذه الفرادة كفيل بإبهار الآخر في جذب الأنظار نحوك ولفت الإعجاب تجاهك، وهذا بكل تأكيدٍ وبمشيئة الرب، سيفضح شعور وإعجاب المتحاور معك. سوء فهم ورأى د.حمدان بن إبراهيم المحمد أن للحوار صوت ووزن ولا يسع الشخص منا للحوار إلاّ بمراعاته لبعض المعايير، من خلال استخدام كلمات تؤتي ثمارها خلال حل مشكلة اجتماعية، لذلك في حالة حل مشكلة اجتماعية بين طرفين احرص على أن تبدأ بداية جيدة في الحوار معتمداً على مهارات منها التواصل البصري، مع تغير نبرات الصوت، فالحوار لحل مشكلة مجتمعية مثل النبتة، يمكن أن تزرع بذرتها بسهولة ولكن خروجها للنور أمر مؤلم، مبيناً أنه من حسن الحوار طرح الكثير من الأسئلة لكي تعرف العلة وراء إصرار الطرف على كلامه، كذلك حاول دفع الظلم الذي وقع عليك بعدم التوتر، ولا تشير بأصبعك تجاه الطرف مسبب الاشاعة، وإياك أن تحاول الفوز من خلال تدمير الطرف الآخر بل عليك مهاجمة موضوع الخلاف والاشاعة وليس الشخص، ذاكراً أن أسوأ الخلافات هي تلك التي تبدأ من إشاعة لا دليل عليها لدى الطرفين، وكم من اتهام نتيجة إشاعة مغرضة أو موقف مشبوه كان من الممكن حله من خلال إعلام المسيء عن تبعات هذه الاشاعة والظن السيئ، حيث سيستشعر الآخر الألم الناتج عن هذا السلوك الخاطئ، لافتاً إلى أنه نتيجة لغياب لغة الحوار بين الطرفين قد يؤخذ ويحاسب أحدهما بشيء لم يرتكبه، وأن كثير من الخلافات والصراعات هي نتيجة لغياب الحوار ومبعثها سوء الفهم لا الاختلاف الفعلي، مشدداً على ضرورة تعبير كل طرف بوضوح، والالتزام بالموضوع محل الخلاف، وعدم إلقاء اللوم والعتاب على الماضي. د. عبدالواحد الحميد د. خالد الشغدلي د. سامي خياط أحمد السعدي د. بدر المدرَّع المنزل والمدرسة والمجتمع يلعبون دوراً في تأصيل ثقافة الحوار