لم تكن الاصلاحات الاقتصادية العميقة التي سجلتها المملكة خلال الأعوام الماضية، إلا نتيجة إيجابية ساهمت في خفض معدلات البطالة التي سجلت 6.3 % للسعوديين في الربع الأول من عام 2025، بانخفاض بلغ (0.7) نقطة مئوية وفقاً لإحصاءات سوق العمل للربع الأول من العام 2025 الذي كشفت عنه الهيئة العامة للإحصاء، ما يعد انخفاضًا تاريخيًا تسجله المملكة في معدلات البطالة، وذلك منذ بدء رصد هذه البيانات، فيما سجلت المملكة أن معدل البطالة الإجمالي بلغ 2.8 % في الربع الأول من العام 2025. ولم يأتِ هذا الانخفاض مصادفة، بل هو نتيجة مباشرة لإصلاحات هيكلية شاملة طالت سوق العمل، وأعادت رسم العلاقة بين المواطن والوظيفة، وبين القطاعين الحكومي والخاص، في إطار تنموي طموح يضع الإنسان أولًا، وخلال سنوات قليلة، تحولت المملكة من دولة تواجه تحديات في توظيف مواطنيها، إلى بيئة تستقطب الطاقات الشابة وتوفر لها فرصًا متنامية في قطاعات متعددة، ورصدت «الرياض» واقع انخفاض البطالة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نحو 143 ألف سعودي تم توظيفهم خلال الربع الأول من العام الحالي، بزيادة تجاوزت 90 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وبلغت مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل قفزة لافتة، إذ تجاوزت 36 %، بعد أن كانت تقف عند حدود 19 % قبل خمسة أعوام. ولم يكن هذا التحول ممكنًا لولا تدخلات حكومية ذكية ومدروسة، أبرزها برامج التوطين مثل «نطاقات»، والدعم المباشر الذي يقدمه صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»، الذي صرف مؤخرًا أكثر من 1.8 مليار ريال لدعم برامج التدريب والتأهيل والتوظيف، كما ساهمت المبادرات النوعية في التعليم المهني، والتوسع في برامج التدريب المنتهي بالتوظيف، في رفع جاهزية الشباب السعودي لدخول السوق بكفاءة وثقة. وشدد خبراء اقتصاديون أن القطاع الخاص لم يعد مجرد خيار ثانٍ كما كان يُنظر إليه سابقًا، بل أصبح المجال الأكثر جذبًا للكوادر الوطنية، بعد أن شهد تغيرًا في ثقافته الإدارية، وتناميًا في وعيه بدوره كشريك حقيقي في التنمية، وبخاصة أن بيانات وزارة الموارد البشرية تشير إلى ارتفاع متسارع في نسبة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص، مدفوعًا بمزيج من الحوافز والإصلاحات وسهولة الإجراءات. وأبان الخبراء بأنه لا يمكن فصل هذا النجاح عن السياق الأوسع لرؤية المملكة 2030، التي وضعت منذ انطلاقتها هدفًا واضحًا يتمثل في تمكين المواطن وتوسيع مشاركته في الاقتصاد الوطني، عبر تنمية القطاعات غير النفطية، وتعزيز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق الاستدامة المالية والاجتماعية في آن معًا، وقال عضو مجلس المنطقة الشرقية رجل الأعمال عبدالله آل نوح: «اليوم، حين نرى هذه المؤشرات تتحقق على الأرض، فإننا أمام تجربة إصلاح تستحق أن تُروى، لا كمجرد نجاح اقتصادي، بل كتحول اجتماعي شامل يعكس وعي الدولة، وإرادة المواطن، وديناميكية الشراكة بينهما». وأضاف «إنّ ما نشهده اليوم من تحوّلات اقتصادية في المملكة هو امتداد طبيعي للرؤية الطموحة التي أطلقتها القيادة الرشيدة تحت عنوان رؤية المملكة 2030، هذه الرؤية التي لم تعد مجرد إطار استراتيجي، بل أصبحت واقعًا ملموسًا نراه في تحسّن مؤشرات الأداء، وفي إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمواطن، وبين القطاع العام والقطاع الخاص، فالانخفاض الملموس في معدلات البطالة، والتقدم الواضح في برامج التوطين، لم يكن ليتحقق لولا وجود إرادة سياسية جادة، وأدوات تنفيذية مرنة، ودعوة صريحة لكل شركاء التنمية للقيام بأدوارهم، وفي مقدمتهم رجال الأعمال». وتابع «نحن في القطاع الخاص لسنا متفرجين على هذا التحول، بل نحن جزء منه، وشركاء في صناعته. وأرى أن مسؤوليتنا اليوم تتجاوز التوظيف المباشر أو فتح المشاريع، إلى المساهمة في ترسيخ ثقافة عمل جديدة، تُقدّر الكفاءة الوطنية، وتمنحها المساحة للنمو والابتكار»، مضيفا «إن رؤية 2030 فتحت الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمار والإنتاج والتطوير، لا سيما في المناطق الواعدة كالمنطقة الشرقية، حيث نلمس أثر الإصلاحات الاقتصادية في تسهيل الإجراءات، ورفع كفاءة البنية التحتية، وتوفير الحوافز، ما شجّعنا كمستثمرين على التوسع بثقة في مختلف المسارات». وعن التحديات القائمة قال: «لا شك أن التحديات قائمة، لكن الفرص أكبر، وأجزم أن من يستوعب روح الرؤية ويتفاعل معها بوعي ومرونة سيكون من أوائل المستفيدين، والأهم من أوائل المساهمين في بناء مستقبل وطنٍ يُراهن على الإنسان ويستثمر في الطموح، والرهان الآن لم يعد على خفض البطالة فحسب، بل على الحفاظ على هذا الزخم، ومواصلة البناء عليه لتكون المملكة نموذجًا في استثمار الإنسان، وتحويل التحديات إلى فرص، والفرص إلى إنجازات». إلى ذلك شدد الكاتب محمد الصفيان على على أهمية الجانب الاعلامي في تعزيز خفض معدلات البطالة ومواكبة ذلك، وقال: «إن المملكة تبذل جهودا جبارة لخفض معدلات البطالة من خلال برامج واستراتيجيات متنوعة تستهدف تمكين الكفاءات الوطنية وخلق الفرص الوظيفية المناسبة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030»، مضيفا «انعكست هذه الجهود في تزايد مشاركة السعوديين والسعوديات في سوق العمل وارتفاع نسب التوظيف في مختلف القطاعات، ومن هذا المنطلق يظهر دور الخطاب الاعلامي كعامل مهم ومساند لهذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية، فالإعلام ليس مجرد ناقل للأرقام والبيانات بل هو صوت المجتمع ومرآة التنمية وصانع للوعي الجمعي». وتابع «كلما كان الخطاب الاعلامي مواكبا لحيوية سوق العمل وواقع التوظيف كلما ساهم في تعزيز ثقة المواطن بجدية الجهود المبذولة ودفعه للمبادرة والبحث عن الفرص»، مضيفا «شهد الاعلام السعودي في السنوات الاخيرة تطورا ملحوظا في تسليط الضوء على قضايا التوظيف وتمكين الشباب والنساء»، مستدركاً «لا نزال بحاجة الى مزيد من التفاعل مع قصص النجاح وتحليل التحديات وإبراز الانجازات بطريقة تبني الوعي وتعزز التفاؤل، ونحن امام مسؤولية اعلامية كبيرة تتطلب خطابا متجددا نابعا من الواقع متوجها للعقل والوجدان في آن واحد، فالاعلام القوي يعكس اقتصادا قويا ومجتمعا متماسكا وطموحا وطنيا يستحق الدعم والتقدير».