ليس بالضرورة أن أعيش الفقد لأشعر به، يكفيني أن أرى ملامح الحزن في عيون من حولي، لأدرك عمق الألم الذي يسكنهم، أعيش الحزن معهم، كأن الراحل كان غاليًا عليّ أنا أيضًا، وكأن الوداع زارني من حيث لا أدري، أشعر بقلوبهم حين تنكسر بصمت، حين يمر طيف الغائب فجأة في الحديث، أو في صورة، أو في ذكرى، فيسكن الحزن عيونهم رغم الابتسامة. أشعر بهم في الليالي الباردة التي يطول فيها الدعاء، في المقاعد الفارغة التي لا تُملأ، في الأحاديث التي تنتهي بدمعة، وفي المناسبات التي باتت تنقصها الأرواح الأجمل. أعيش الحزن مع الأم التي ودّعت ابنها، مع الابن الذي كبُر على حنين لا يهدأ، مع الأخت التي تفتقد حضن أختها، ومع كل قلب اختبر الفقد وبقي حيًا يتنفس الوجع. لست مجرد تعاطف بل أعيش حزنهم حقًا، أشعر بالاختناق حين يتكلمون عن من رحل، أحبس دمعتي احترامًا لدمعتهم، وأدعو في سري وكأن الغالي كان غاليًّا لي. الفقد لا يمر، لكنه يُحتمل والحياة لا تعود كما كانت، لكنها تمضي، والقلوب لا تنسى، لكنها تتعلّم كيف تخفي الوجع بابتسامة، وتُكمل الطريق بدعاء، وتُربّي الأمل بلقاء لا ينقطع في الآخرة. إلى كل من فقد غاليًا... سلامٌ على قلوبكم المتعبة. سلامٌ على دموعكم المختبئة، وعلى الذكرى التي تعيش معكم في كل يوم. ولتعلموا لستم وحدكم، فقلوبنا تسير معكم، ووجعكم نراه، وإن لم نتكلم به. وللراحلين رحمكم الله بقدر الحنين، وبقدر ما تركتم من فراغ لا يُملأ. خاتمة مع بدر شاكر السياب: لك الحمد مهما استطال البلاء ومهما استبدّ الألم، لك الحمد، إن الرزايا عطاء وان المصيبات بعض الكرم. ألم تُعطني أنت هذا الظلام وأعطيتني أنت هذا السّحر؟ فهل تشكر الأرض قطر المطر وتغضب إن لم يجدها الغمام.