في توقيت يعكس حجم التحولات الجارية في الشرق الأوسط، جاءت إشادة الرئيس الإيراني بدور دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة، لتؤكد من جديد أن الرياض لم تعد مجرد لاعب في المشهد الإقليمي، بل أصبحت عنصرًا فاعلًا في هندسة التوازنات وتحفيز مسارات التهدئة، هذه الإشادة لم تكن مجاملة دبلوماسية، بل تعبيرًا صريحًا عن الاعتراف بالوزن السياسي والدبلوماسي الجديد الذي باتت تحمله السعودية على طاولة الإقليم. لم تكن التهدئة خيارًا عابرًا بالنسبة للمملكة، بل جزءًا من مقاربة أوسع تتبناها في علاقاتها الخارجية مقاربة ترتكز على خفض التصعيد، وتفعيل قنوات الحوار، ودعم الاستقرار بوصفه شرطًا أساسيًا للتنمية. هذا المسار لم يبدأ مؤخرًا، بل تأسس على مبدأ واقعي وواضح: أن أمن الإقليم لا يمكن أن يفرض، بل يبنى عبر التواصل، والانفتاح، وحماية المصالح المشتركة. أن يصدر التقدير من طهران، فذلك يعكس تحولاً في نظرة أطراف أساسية في الإقليم لدور المملكة، خصوصًا في ظل التحديات المركبة التي تواجهها المنطقة، فبدلًا من الاصطفاف في محاور مغلقة أو السير في مسارات صدامية، اختارت السعودية طريق التفاعل الإيجابي، مدفوعة برؤية عقلانية ترى أن الحلول الدائمة تبدأ من طاولة التفاوض، لا من جبهات الاشتباك. لقد أظهرت الرياض، من خلال سياساتها الأخيرة، قدرتها على إعادة رسم أدوارها في المنطقة دون أن تتخلى عن ثوابتها، فهي اليوم حاضرة في ملفات معقدة كاليمن، والسودان، ولبنان، بفاعلية لا تقوم على فرض الإرادة، بل على بناء الثقة، وهي بذلك تبرهن أن الوساطة ليست ضعفًا، بل شكل راقٍ من أشكال القوة الذكية التي تقود التغيير من موقع المبادرة. إن المواقف الإيجابية من دول مثل إيران، مهما كانت محدودة أو محكومة بسياقات معينة، تعكس إدراكًا بأن المملكة تسير بثبات نحو ترسيخ موقعها كقوة استقرار إقليمية، وفي عالم تتسارع فيه التحديات الأمنية والسياسية تبدو الرياض واحدة من العواصم القليلة التي تمسك بخيوط اللعبة من دون أن تستهلكها الحسابات الآنية. من هنا، يصبح واضحًا أن السياسة السعودية الجديدة لا تهدف إلى تقليل التوتر فقط، بل إلى إعادة تعريف مفهوم الدور الإقليمي، دور لا يقوم على الهيمنة بل على الشراكة، ولا يعتمد على الشعارات بل على النتائج، ولذلك فإن إشادة الآخرين لم تعد مفاجئة، بل نتيجة طبيعية لمسار ناضج يتصاعد بثقة واتزان.