في منطقة الشرق الأوسط، وفي أول تسعة أشهر من 2024، سافر نحو مليار ومئة مليون سائح لوجهات مختلفة داخل المنطقة وخارجها، وإيرادات السياحة العالمية في نفس العام، طبقًا لمجلس السياحة والسفر العالمي، قدرت بنحو تسعة ترليونات و500 مليار دولار، ولا أحد يختلف على أهمية القطاع السياحي، إلا أن الظروف الحالية تفرض أولوياتها فيما يتعلق بالسياحة الخارجية.. سياحة السعوديين الخارجية تنشط سنوياً ما بين شهري يونيو وأغسطس، ومنذ 2017 ظهرت إشكالية تعرف باسم السياحة المفرطة، وتحديدا في الوجهات السياحية الأوروبية، والتي تعتبر ثابتاً سعودياً وخليجياً في كل صيف، وهم قد يغيرون زوجاتهم ولا يغيرونها، وأهمها: سويسرا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، مع اختيار بعض السياح السعوديين والخليجيين لوجهات تمتد من الولاياتالمتحدة وحتى جنوب شرق آسيا، وبحسب المختصين، فقد اتجهت تفضيلات السياحة الخليجية الصيفية في 2024 نحو أماكن جديدة، كمنطقة القوقاز، وبالأخص أذربيجان وجورجيا ودول شرق أوروبا، ومعها اليابان في الفترة ما بين عامي 2023 و2024، وزاد الإقبال على السياحة التايلندية بعد فتح سوقها في الفترة الأخيرة، والأماكن السابقة ليست بعيدة عن النشاط السياحي المفرط. استنادا لأرقام منظمة السياحة العالمية فإن أعداد السياح في 1950 كان في حدود 25 مليونا، والمتوقع وصوله إلى مليار و800 مليون في 2030، واللافت أن 95 % من هؤلاء يزورون 5 % من مناطق العالم، والسابق يؤدي لتأثيرات سلبية ومدمرة على البيئة نتيجة لتراكم النفايات وزيادة التلوث والضوضاء، ويضر بالمجتمعات المحلية في الوجهات السياحية، برفع إيجارات المساكن عليهم، وعدم تمكينهم من ممارسة أنماط حياتهم اليومي، والبنية التحتية لمعظم المدن السياحية ليست مهيأة أصلاً لاستيعاب أعداد هائلة من السياح، وهذا يسهم في تهجير السكان محدودي الدخل من مدنهم، ما يفسر المسيرات التي تخرج فيها بين فترة وأخرى، بالتزامن مع أوقات الذروة في سياحة الصيف. الوضع معقد جدا ولا يمكن تصوره، ومن الأمثلة، أنه في 2023 تسبب الاكتظاظ السياحي في جزر الكناري، بفعل زيارة أكثر من 14 مليون سائح لها، وبما يعادل سبعة أضعاف سكانها، في حدوث نقص حاد لديها في مياة الشرب، وذلك وفق تقرير لتلفزيون الأخبار الألمانية دويتش فيلا، أو دي دبليو، وسكان مدينة البندقية العائمة في إيطاليا لديهم معاناة مع الازدحام الشديد فيها، فالمدينة يزورها 20 مليون سائح سنوياً، بينما لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة، ما يعني أنها ليست مهيأة بنيوياً لاستقبال أرقام ضخمة من هذا النوع، ولهذا فرضت ضريبة مقدارها خمسة يورو على السائح الواحد، خلال ساعات النهار، واليابان تلزم من يرغب في تسلق جبل فوجي الشهير بدفع 13 دولارا، ولا تسمح أن يتجاوز أعداد متسلقيه أربعة آلاف سائح يومياً. الطيران الاقتصادي، ونماذج السكن التشاركي عن طريق الإنترنت، مثل (آير بي إن بي)، أسهما في تفاقم الأوضاع السياحية، بالإضافة لطفرة ما يسمونه بسياحة اليوم الواحد للدول المجاورة، ونصائح مؤثري السوشال ميديا، وانتشار ما يعرف باقتصاد التجربة، وتمكين سياح أكثر وأقل قدرة مالية من السياحة لوجهات مشهورة، وكلها أوجدت مشكلات صعبة في مدن سياحية كثيرة، أبرزها مدينة أمستردام الهولندية، التي تضررت ممن يتناولون الطعام في الشوارع، ومن بيع المخدرات للسياح في المقاهي، ومن رجال أوروبا الشباب الذين يتبولون في مواقع عامة ومكشوفة، ومسألة التبول تم التعامل معها بجدية عالية، وفرضت غرامة عليها قدرها 140 يورو، حفاظا على سمعة المدينة ووجهها الحضاري، ومالاغا الإسبانية منعت إنشاء شقق جديدة للسياح في 43 حياً بداخلها، استجابة لمطالب سكانها، وخفضت روما عدد السياح المسموح لهم بالتواجد أمام نافورة تريفي، وحددته بأربع مئة شخص يتواجدون في ذات الوقت، وهناك وجهات سياحية بديلة ومشابهة للمدن الشهيرة، وأسعارها رخيصة ولا يوجد بها زحام، وأدوات الذكاء الاصطناعي لديها قدرة عجيبة في هذا الجانب، وبإمكانها التخطيط لرحلات ذكية تتناسب مع ميزانية السائح وتوافق احتياجاته وتوقيتاته وذوقه. في منطقة الشرق الأوسط، وفي أول تسعة أشهر من 2024، سافر نحو مليار ومئة مليون سائح لوجهات مختلفة داخل المنطقة وخارجها، وإيرادات السياحة العالمية في نفس العام، طبقا لمجلس السياحة والسفر العالمي، قدرت بنحو تسعة ترليونات و500 مليار دولار، ولا أحد يختلف على أهمية القطاع السياحي، إلا أن الظروف الحالية تفرض أولوياتها فيما يتعلق بالسياحة الخارجية، ومن أنماط السياحة الأنسب في العام الحالي، سياحة الكروز أو اليخوت الفاخرة والقطارات، وكل ما هو بعيد عن الاكتظاظ والأماكن المغلقة، أو بأقل تقدير ضبط مواعيد سياحية خارج أوقات ذروة السياحة الصيفية، ولو أني أجدها صعبة على العوائل المرتبطة بإجازات مدرسية. استكمالا لما سبق، أعتقد أن اختيار السائح الملائم، ومنصة الترويج السياحي الفاعلة، والوقت المناسب لحملات التسويق، سيعظم الدخل السياحي في دول السياحة المفرطة، وبطريقة ذكية تستهدف أعدادا أقل من السياح، وبدخل أعلى وأفضل للوجهة السياحية، ويفترض عند اختيار وجهات السفر للصيف الحالي أن تتم بعناية ودقة، حتى لا يقع السائح السعودي أو الخليجي في حرج، ويتواجد في مدينة ترفضه، أو تطلب مغادرته لأنه يشكل عبئاً عليها، ومدن السياحة المفرطة قد تجد حلولا تناسبها في تجربة المملكة الاستثنائية، وخصوصاً في إدارتها الاحترافية لحشود الحج.