في كل مجتمع حيّ، يكون للمثقف دورٌ محوري يتجاوز حدود التنظير والتأمل إلى التفاعل الصادق مع قضايا مجتمعه، والتأثير الإيجابي في تشكيل الوعي العام. وفي المملكة العربية السعودية، حيث يشهد الوطن تحولات كبرى على مختلف الأصعدة - الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية - تزداد الحاجة إلى صوت المثقف الواعي، الذي ينطلق من حب الوطن، وينتمي إلى همومه، ويعي مسؤولياته التاريخية والأخلاقية. علماً أننا لو توقفنا عند تعريف المثقف، نجد أن المثقف ليس بالضرورة ذلك الذي يحمل شهادة عليا أو يكتب في الصحف أو يتحدث في المحافل، بل هو ذلك الإنسان الذي امتلك وعياً نقدياً، واستبصاراً بالواقع، وقدرة على التأثير في الناس من خلال الكلمة والموقف. والمثقف الحقيقي لا يكتفي بالمراقبة من بعيد، ولا يعتزل الحياة متذرعاً بالنخبوية، بل ينغمس في قضايا وطنه، ويقترح الحلول، ويصوّب المسار عندما يراه معوجاً، ويساند التقدم عندما يراه نافعاً. أما عن رسالة المثقف السعودي في السلم والبناء، فنحن ولله الحمد نعيش وسط وطن مستقر، وهو في مرحلة من بناء وتطوير دائمة، عبر رؤية حكيمة، واستراتيجية شاملة، من خلال رؤية المملكة 2030 لهذا يتوجب على كل مثقف وطني صادق أن يساهم في تعزيز هذا البناء من خلال ما يلي: تعميق الانتماء الوطني: عبر تعزيز القيم الوطنية والثقافية، وغرس مفاهيم الوحدة والتلاحم في أذهان الأجيال الجديدة. نشر الوعي: بتقديم قراءة نقدية للأحداث والقرارات، التي تساهم في رفع مستوى الفهم لدى الجمهور وتجنّب الوقوع في التبسيط أو التضليل. الدفاع عن الهوية: من خلال الوقوف ضد محاولات التشويه الثقافي، والانفتاح الواعي على العالم دون الذوبان فيه. تجديد الخطاب الثقافي: ليواكب طموحات "رؤية السعودية 2030"، وينسجم مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة. وفي ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم من حولنا، ماذا يجب علينا؟ هو سؤال مهم وكبير، يمكن تلخيصه في الآتي: أثناء الأزمات - سواء كانت سياسية أو صحية أو اجتماعية - تتجلّى الحاجة إلى صوت المثقف أكثر من أي وقت آخر. فالمجتمع حينها يكون أكثر عرضة للقلق، والشائعات، وهنا يظهر دور المثقف من خلال: التهدئة لا التأجيج: فالمثقف لا يزيد النار اشتعالاً، بل يعمل على تهدئة النفوس، وطمأنة العقول، دون تزييف أو إنكار للواقع. محاربة الشائعات والمعلومات المضللة: عبر تقديم المعلومات الصحيحة، والمصادر الموثوقة، وتحفيز التفكير النقدي لدى الجمهور. الدعوة إلى التضامن: فالأزمات لا تُواجه بالفرقة أو بالتخوين، بل بالتكاتف الشعبي، وهو ما ينبغي أن يدعو إليه المثقف دائماً. المشاركة الفاعلة: سواء عبر الإعلام أو المحاضرات أو مواقع التواصل أو العمل الميداني، فالكلمة إن لم تقترن بالفعل تبقى ناقصة الأثر. وهنا تبرز تحديات قد تواجه المثقف السعودي، من أبرزها: الرقابة الاجتماعية: أحياناً تكون نظرة المجتمع إلى المثقف مشوبة بالريبة أو الاتهام، خصوصاً إذا خالف السائد. ازدواجية الخطاب: حيث يتحدث البعض بلغة أمام أقرانه وأصدقائه، وأخرى أمام الجمهور، وهو ما يفقدهم ثقة المتلقّي. وبلا شك أنه حين يتخندق المثقف في صفوف أيديولوجية ضيقة، يفقد قدرته على التأثير الشامل. إذاً: المثقف السعودي مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن يكون "ضمير الوطن"، يعبّر عنه بصدق، ويدافع عنه بعقلانية. هو المسؤول عن إضاءة العتمة لا السكنى فيها، وعن بناء الجسور لا الحواجز. والمرحلة التي تمر بها المملكة، في وقوفها إلى جوار الحق والعدل عبر مواقفها السياسية الواضحة تستدعي مثقفاً يرى بعينين: عين على تراثه وثوابته، وعين على مستقبله وطموحاته، ملتفاً حول القيادة، مسانداً للقرارات العظيمة البناءة التي تصدر عنها. لأن الوطن ليس شعاراً يُرفع، بل التزاماً يُمارس، والمثقف الصادق هو الذي يحيا لوطنه، لا على حسابه، ويكتب من أجل نهضته لا من أجل ذاته.