في خطوة مفاجئة، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتفاقا مع الصين يضمن للولايات المتحدة الوصول إلى معادن الأرض النادرة، مقابل السماح للطلاب والباحثين الصينيين بالاستمرار في الدراسة في الجامعات الأميركية. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها، خاصة في ظل التوترات الاستراتيجية المتصاعدة مع بكين وأهمية هذه المعادن في الصناعات التكنولوجية والعسكرية. ويقول الباحث وخبير الأمن القومي الأميركي براندون وايكيرت إن الرئيس ترمب أعلن مؤخرا عن التوصل إلى اتفاق تجاري أولي مع الصين. ووفقا لمنشور للرئيس على تطبيق "تروث سوشيال" التابع له، فإن الإطار العام للاتفاق يشمل حصول الولاياتالمتحدة على وصول كامل إلى معادن الأرض النادرة في الصين، مقابل السماح المستمر لمئات الآلاف من الطلاب والباحثين الصينيين بالدراسة في الجامعات الأميركية. كما أعلن ترمب عن تقدم في مفاوضات الرسوم الجمركية، والتي وصفها في منشوره بأنها كانت لصالح الولاياتالمتحدة. ويضيف وايكيرت الذي يساهم في عدة منشورات مرموقة، ومؤلف لكتب عن تفوق أميركا وسباق الصين البيولوجي وطموحات إيران الإقليمية، أن القضية الجوهرية وردت في بداية المنشور، حيث قال ترمب: "سيتم تزويدنا بأي معادن نادرة ضرورية مقدما من قبل الصين. وبالمثل، سنقدم للصين ما تم الاتفاق عليه، بما في ذلك استخدام الطلاب الصينيين لكلياتنا وجامعاتنا". ولم يتم حتى الآن الإعلان عن تفاصيل الاتفاق الذي أبرمه ترمب، لكن هناك نقطتين رئيسيتين مثيرتين للقلق من البداية. أولا، إن وجود الطلاب والباحثين الصينيين في الجامعات الأميركية ليس خيرا مطلقا، فقد ثبت مرارا أن إحدى أكثر الوسائل التي تستخدمها الصين لإرسال جواسيس صناعيين إلى الولاياتالمتحدة تكون تحت غطاء الطلاب الأجانب. ثانيا، والأهم من ذلك، أن الولاياتالمتحدة تعتمد بشكل كبير على معادن الأرض النادرة في تصنيع منتجاتها عالية التقنية. وهي بحاجة ماسة إلى تنويع مصادرها من هذه المعادن، غير أن التفاوض مع بكين على واردات رخيصة من هذه الموارد يمنع الولاياتالمتحدة من تحقيق ذلك. ومنذ نحو عقد مضى، بدأت الصين حملة عالمية لشراء مناجم معادن الأرض النادرة. وبفضل تلك التحركات المستمرة والمدروسة، باتت البلاد اليوم تسيطر على أكبر احتياطي معروف من هذه المعادن في العالم. ويمنح هذا الوضع بكين مزايا استراتيجية كبيرة على الولاياتالمتحدة وبقية دول العالم، إذ لا يمكن تصنيع أي تكنولوجيا حديثة من دون هذه المعادن. لكن هيمنة الصين على معادن الأرض النادرة تقتصر فقط على الاحتياطيات المكتشفة حتى الآن. لا تزال هناك ملايين الأطنان من هذه المعادن مدفونة في الأرض لم تُستغل بعد. ومن حسن الحظ أن كثيرا من هذه الموارد غير المستغلة موجود في أميركا الشمالية. وبعد أن أغلقت الولاياتالمتحدة مناجم معادن الأرض النادرة قبل عقود التزاما بقوانين بيئية أكثر صرامة، أصبحت الآن بحاجة إلى اللحاق بالصين. ويقول وايكيرت إنه ليس من مصلحة أي أحد أن يُترك المجال لدولة واحدة، وخاصة الصين، للهيمنة على هذا السوق الحيوي. ومن المنطقي أن يسعى ترمب في الأجل القريب إلى استعادة وصول أميركا إلى هذه الموارد المهمة. لكن لا يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد. فالصين قادرة على قطع هذا الإمداد الحيوي متى ما اقتضت مصالحها الاستراتيجية، وستفعل ذلك. ويتساءل وايكيرت أنه في ضوء ذلك، أين خطة إدارة ترمب لإعطاء الأولوية لإنشاء مناجم جديدة لمعادن الأرض النادرة داخل الولاياتالمتحدة؟ وأين الخطة للوصول إلى الموارد الهائلة في غرينلاند، وهي دافع رئيسي وراء مسعى ترمب المثير للجدل لشراء الجزيرة مؤخرا؟ وحتى الآن، لا يوجد شيء. والوقت يعمل فقط ضد الولاياتالمتحدة. وقد يتم استرضاء بكين -في الوقت الحالي- لمنح الأميركيين إمكانية الوصول إلى هذه الموارد الأساسية. ولكن ماذا عن وقت لاحق، عندما يقررون غزو تايوان ويصبحون على خلاف مع واشنطن مرة أخرى؟ لقد دخلت إدارة ترمب البيت الأبيض بقوة، وبدأت بمواجهة القضايا الجوهرية. ومن بين تلك القضايا، حتى لو لم يدركها الرأي العام في حينه، إعادة تشغيل مناجم الأرض النادرة داخل أميركا، والرغبة في الاستحواذ على غرينلاند من أجل الوصول إلى معادنها النادرة الوفيرة وغير المستغلة إلى حد كبير. لقد أدرك ترمب الحاجة إلى تعزيز الدفاع عن النصف الغربي من الكرة الأرضية. لكن بعد أشهر قليلة من طرحه لتلك القضايا، يبدو أنها لم تعد تمثل أولوية. فلو كان الحصول على إمداد موثوق من معادن الأرض النادرة أولوية حقيقية للأمن القومي، وينبغي أن يكون كذلك، لكانت إدارة ترمب قد وضعت بالفعل الإطار التنظيمي البيئي والحوافز الضريبية لتشجيع الشركات على تطوير مناجم هذه المعادن بسرعة داخل الولاياتالمتحدة. وفي الوقت نفسه، كان من المفترض أن تكون هناك خطوات فعلية بشأن ملف غرينلاند. وحتى إن تراجعت الإدارة عن خطتها لشراء الجزيرة بالكامل، كان بالإمكان ببساطة التوصل إلى اتفاق مع سكان غرينلاند يسمح للشركات الأميركية بالحصول على وصول أوسع إلى معادن الأرض النادرة هناك. لكن لم يحدث أي تحرك في أي من الملفين. من ناحية اخرى، تواصل الصين تعزيز قبضتها على الاحتياطات العالمية المعروفة من معادن الأرض النادرة. ويقول وايكيرت إنه على ترمب أن يركز فورا على القضيتين المتلازمتين: تطوير الموارد الأميركية من هذه المعادن، والسعي للسيطرة على موارد غرينلاند. وأي مسار آخر لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت.