في عالمٍ مهووس بالبراعة والكمال، أصبحت العاديّة بلا اكتمال! فهي لا تُلفت النظر، لا تُلمّع، لا تُرى. تمشي بهدوء، وتنجز بصمت، وتمضي دون أن تنتظر إثباتًا. لكننا اليوم في زمنٍ لا يحبّ الهدوء. زمن يُقدّس الصعود ولو كان على سلّمٍ مِعوَج، أو حتى على هواء فارغ! زمن تُعدّل فيه الصور، وتُعاد صياغة الكلمات، لا لأنها كاذبة، بل لأنها لا تُبهر! فما كل نجمٍ في السماءِ مُتقدًا ولا كل سنًا في الكَونِ مُتّصِلُ فكم بديع ينسج الزور مُبتهجًا وفي رحابهِ القوافي لا تَصِلُ لسنا في أزمة إبداع، بل في أزمة وعيٍ بالقيمة، بالمنطِق، والمَنطَق والحقيقة الملموسة. ف «ليس كل ما يلمع ذهبًا»، وليس كل ما خَفَتَ بريقه عديم الأثر. ففي محاولاتنا المتكررة لتلميع اللحظة، نخسر حقيقتها. نمارس رقابة داخلية لا تنبع من ضمير، بل من هوس المثالية. وحين نقف أمام المرآة، نرى صورتين: واحدة مُنمّقة، مُتّسقة مع المقاييس، وأخرى هي نحن. مجرّدون من الزيف، هادئون في ثباتنا، لامعون في أعيننا، لكننا غُرباء في زمنٍ لا يشبهنا، زمنٍ يمنح الزيف وسامًا، ويوسِم الصدق: بالعاديّة. ففي مجتمعٍ يُكافئ الضجيج، وينسى الثبات، لا بد من إعادة الاعتبار للأصل: لمن يعيش دون أن يتزيّن، ويُحب دون أن يُظهِر، ويُتقن دون أن يُصفّق له أحد.. فالمثالية قالب، لكن العاديّة.. حياة.