لا تتوقف الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، فكأنها رقصة متواصلة على حافة الهاوية، وأحدث أيقونة مستهدفة في هذا الصراع هي أميركا اللاتينية، فبينما تسعى الصين إلى توسيع حضورها في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، تتبنى إدارة ترمب موقفًا حمائيًا ومعاديًا للتعاون متعدد الأطراف، وهكذا، يتناقض تجاهل واشنطن الاستراتيجي لجوارها مع انخراط بكين المكثف، ودبلوماسيتها المتأنية، وتمويلها الجذاب، وقد سدت الدبلوماسية الصينية بمهارة الفراغ الأمريكي، على صعيد تمويل البنية التحتية ودعم التكامل الإقليمي، وتوفير الموارد، وإعطاء رسالة واضحة بخصوص احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. تواصل الصين رسم خطوطها في أميركا اللاتينية، مستغلة سحرها الاقتصادي لدفع سياسة "جنوب - جنوب" قوية، ومن خلال ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وفتح خطوط ائتمان سخية، تُرسل بكين إشارة واضحة لواشنطن: "الجنوب العالمي ينتقل إلى مستقبل جديد، ونحن نقدم له المفتاح"، وعلى سبيل المثال، منتصف الشهر الماضي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج عن فتح خط ائتمان ضخم لدول المنطقة، بقيمة 9 مليارات دولار مقوم باليوان، واندفعت استثمارات جديدة لتدشين بنية تحتية متينة، وكان هذا الإعلان بمثابة رسالة قوية للنظام النقدي السائد، فلم يقتصر الأمر على تأكيد دور الصين كعمود فقري للتنمية، بل عزز مكانة اليوان كبديل قوي للمنطق النقدي الذي يهيمن عليه الدولار، وهي استراتيجية تتماشى مع جهود الصين طويلة الأمد لتدويل عملتها. يزداد التكامل التجاري بين الصينوأمريكا اللاتينية يوماً بعد يوم، ففي عام 2024، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصينوأمريكا اللاتينية مستوى قياسيًا بلغ 518.4 مليار دولار، متجاوزًا الهدف الذي حددته الصين قبل عقد من الزمن والبالغ 500 مليار دولار، ويعكس هذا الرقم زيادة ملحوظة من 450 مليار دولار في عام 2023، ونموًا كبيرًا مقارنةً ب 12 مليار دولار في عام 2000، وتُعد الصين الآن الشريك التجاري الأول للعديد من دول أمريكا اللاتينية، حيث تستورد بكين كميات هائلة من السلع وتُصدر كميات متزايدة من السلع المصنعة، وتكشف الاتفاقيات الأخيرة بين الطرفين عن تطور متزايد في مجالات التعاون بينهما، حيث تتجاوز مجرد الاعتماد على التصدير الأساسي، وتمتد إلى سلاسل القيمة عالية التقنية. في المقابل، يبدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب اهتمامًا متجددًا بحديقة بلاده الخلفية، وبالرغم من استئناف دبلوماسيتها مع جيرانها الجنوبيين، إلا أن الدلائل الأولية تؤكد أن الاهتمام الرئيسي للولايات المتحدة هو كبح النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة، ومع ذلك، هناك مؤشرات على أن نهج واشنطن تجاه المنطقة لم يتغير إلا في الخطابات الرسمية فقط، إذ لا يزال التركيز منصباً على أجندة الهجرة والأمن، وهو نمط مألوف ومُستهلك، وقد ظهر ذلك من خلال إلغاء وضع الحماية المؤقتة، الذي أثر على حياة نصف مليون مهاجر لاتيني، وكذلك تصنيف عصابات المخدرات المكسيكية، كمجموعات إرهابية، مما زاد الضغط على الحكومة المكسيكية بشكل كبير، وبالإضافة إلى ذلك، فإن خفض المساعدات الإنسانية الأمريكية التي كانت تقدم الدعم إلى البرامج الاجتماعية في المنطقة، سيعود بالنفع المباشر على الصين، المستعدة بالفعل لملء الفراغ.