حين تنادي القلوب في كل عام تتسابق الأقدام من كل بقاع الأرض إلى أرضٍ ظهر فيها الوحي، إنه مشهدٌ عظيم تتجدد فيه فكرة الاجتماع الإنساني الروحي الذي يقوم على مبدأ المساواة أمام الخالق. لم يكن الشرف هو بلوغ البيت الحرام وحده، بل كانت خدمة ضيوفه وصون كرامتهم وحفظ أمنهم منذُ أن طلعت شمس الدعوة ظلت رعاية الحجيج مرآة صدق الدولة وحُسن قيادتها، فتعاقب الحُكام وظلت رعاية الحجيج عنوان نضج الدولة ومكانتها. لقد شرف الله هذه الدولة العظيمة بخدمة الحرمين الشريفين، وهذه من أكبر النعم لهذه البلد بأن تميزت بقيادة سعودية راسخة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله– اللذان يعتبران هذا الشرف شرفاً سيادياً وركناً من أركان الهوية الوطنية.. لقد حولت هذه الدولة إدارة الحشود من شعيرة موسمية إلى ثقافة سيادية تشتعل بحكمة القادة، وتكامل المؤسسات، كأن تدير الحشود بعقول رقمية ومنظومات ذكية تتضح فيها عبقرية الدولة وصون المشاعر المقدسة وكرامة كُل إنسان توجه إليها. فموسم الحج هو تحدٍ كبير ابتدأ من ازدحام الحشود في المشاعر إلى مخاطر السلامة التي قد تنتج نتيجة الكثافة البشرية العالية مما يوجب الحاجة إلى تنظيم دقيق لحركة الحشود بما يضمن الانسيابية ويقلل نقاط الاختناق. ثم تظهر لنا العديد من تلك الحلول التي قامت عليها الدولة للتخفيف من هذه التحديات وإدخال أسهل وأفضل الحلول لها كاستخدام التكنولوجيا بجميع أشكالها كتطبيق (نُسك) والأساور الإلكترونية لمتابعة الحجاج وتوفير جميع خدمات النقل عالية الكفاءة كقطار المشاعر المقدسة، وتعزيز الأمن والسلامة عبر خطط أمنية شاملة ودوريات مستمرة ومراكز طوارئ منظمة متكاملة. ولقد شهدت المملكة المواسم الأخيرة نماذج ناجحة في إدارة الحشود وتقليل زمن التنقل بنسبة كبيرة. وجعلت الرؤيا من خدمة الحجيج، هندسة تجربة إنسانية متكاملة تصوغها القيم الروحية وتنفذها أفضل وأدق منجزات هذا العصر، فلقد تآلفت القطاعات الحكومية في الدولة بجميع قطاعاتها الصحية والأمنية والمدنية لتتشكل لوحة وطنية واحدة ليُكمل كُل قطاع دوره في انسجام تام بين أجهزة الدولة في السعودية العظمى لخدمة الحُجاج وفق (لا حج بلا تصريح). وهكذا تمضي المملكة العربية السعودية في رؤيتها ليس لأن الحج يعتبر واجباً تنظيمياً بل باعتباره الأجمل في فن صون الشعائر، والأنبل في شرف الضيافة.