جلس في أحد مقاهي "الكوفي" وحيداً، نظر إلى هنا، ونظر إلى هناك، ثم سأل نفسه: "على كثر ما داويت جروح أصدقائي، ما فيه أحد داوى جروحي، ليش؟، هل أسأت اختيارهم؟!". وفي عز ازدحامه بالأسئلة، بدأ يتذكر تلك الأيام التي عاشها معهم، وتلك الابتسامات والضحكات التي لا تنقضي إلاّ وكل واحد منهم ينتظر اليوم التالي لتجديد اللقاء، فماذا حدث يا ترى ليتركوه في مقهى يقلّب عينيه في وجوه العابرين؟. إنه من المؤلم حقاً أن تعتقد أنك رُزقت بأفضل أنواع البشر كأصدقاء لك، لكنه مع مرور الأعوام تكتشف أن العلاقة معهم كانت أرخص، وأضعف، وأتفه مما تتخيّل، غابوا في لحظات كان من المفترض أن يكونوا بجوارك، متناسين تلك العِشرة، لتواجه تيار مشاكلك لوحدك، متعذرين بأعذار واهية، بل إن بعضهم قد لا يملك سبباً لغيابه، وهنا تُدرك يقيناً أن عمود أساس "رفقتك معهم" كان هزيلاً، لتتقبل غيابهم بحسرة وندم، وبدرس يجعلك تُعيد النظر فيمن حولك. وعندما نتمعّن في كلمة "صديق"، نجد أنها تُشكّل وزناً ثقيلاً يعني التشابه مع الطرف الآخر، وحمل همومه، والاستماع له، والتأثر بمشاكله، والوقوف معه في أزماته المعنوية والمادية، ومساندته في ضعفه، فإذا وجدت من يملك هذه الصفات، حافظ عليه، فقد لا تجد مثله في قادم الأيام. قد يرى البعض أن ظروف الحياة العملية باتت "حجر عثرة" في علاقة الأصدقاء، لأرد عليهم بأن الرّفقة الطيبة معدنها ذهب، ومنبعها صاف، وهي من تبقى رغم المصاعب والمتاعب، وهي التي لا تتأثر بأي مكان أو حتى زمان، ولو بحثتم في حياتكم ستجدون أناس مازالوا على العهد والوعد، متشوقين لرؤيتكم، والجلوس معكم، إلاّ أنهم -مع الأسف- نادرون، نادرون.. نادرون. وأخيراً، لا ترفع سقف آمالك مع الآخرين، ولا تنجرف كثيراً بالمشاعر، ولا تتعلّق بأي أحد، وليكن شعارك: "اللي بيجلس حيّاه الله، واللي بيروح فمان الله".