في قصة يونس عليه السلام الكثير من العبر والآيات، وفي هذه المقالة محاولة لاستنباط عدد من الدروس القيادية المستفادة ومنها: لا تأخذ قراراً وأنت غاضب: في عدد من الروايات أن يونس عليه السلام أمضى ثلاثة وثلاثين عاماً في دعوة أهل نينوى من أرض الموصل إلى التوحيد وعبادة الله. ومع طول المدة فلم يؤمن معه إلا عدد محدود. وفي لحظة غضب وانفعال ليونس عليه السلام قرر أن يذهب ويدع قومه تاركاً دعوتهم. وفي هذا تأكيد على أهمية الهدوء وضبط الانفعالات للقائد وتجنب اتخاذ أي قرارات حاسمة ومهمة في لحظات الغضب. فكثير من الذين تهوروا واتخذوا قرارات في ساعات الانفعال تمنوا لو عاد بهم الزمن واتخذوا قرارات مغايرة. لا تظن أنك بمأمن من العقاب: مهما بلغت مرتبتك وعلا منصبك وذاع صيتك، لا تحسبن أنك لست تحت المجهر وأنك لن تحاسب ولن تتم مساءلتك على قراراتك وتصرفاتك. في حالة يونس عليه السلام عندما ذهب مغاضباً كان يظن أن الله عز وجل لن يقدر عليه بمعنى لن يضيق عليه أو يؤاخذه عز وجل في قراره ترك قومه. وفي ذلك درس عظيم لكل قيادي ومسؤول بضرورة مراعاة الأنظمة واللوائح واحترام التراتبية لأنه مهما بلغت إنجازاتك ونجاحاتك فلن يعفيك ذلك من المساءلة والحساب. ضرورة احترام الاتفاقات والعقود: عندما ركب يونس عليه السلام السفينة وبدأ الموج والريح يعصفان بها، اتفق مع من في السفينة على أن يستهموا ويستخدموا القرعة لاختيار شخص يتم إلقاؤه في البحر. ووقعت نتيجة القرعة على يونس عليه السلام والذي التزم بما اتفق عليه مع الراكبين في السفينة رغم أنه نبي كريم وتلك القرعة لم تكن شريعة أو أمراً إلهياً من الرب عز وجل. وفي ذلك درس بأهمية احترام القائد للعهود والمواثيق حتى وإن لم تكن نتائجها متماشية مع رغباته وتطلعاته. سرعة الإقرار بالخطأ ومعالجته: عندما التقم الحوت سيدنا يونس عليه السلام لم يكابر ولم يحاول تبرير صنيعه في ترك قومه، بل نادى في الظلمات وسارع مباشرة في التسبيح والاستغفار وطلب العفو من الله عز وجل. وهكذا القائد الناجح الذي يسارع بالإقرار بالخطأ وتحمل مسؤوليته ومعالجته دون تأخير، لأن المكابرة والعناد والإصرار على الخطأ قد تكون أسوأ من الخطأ نفسه. الصبر وتحمل المرؤوسين: كان الذنب الذي استغفر منه يونس عليه السلام هو عدم صبره على قومه وتركه دعوتهم بعد أن يئس من دعوتهم. وكان الدرس الرباني من الله عزوجل عندما آمن قومه وتابوا وتضرعوا إلى الله عزوجل. ورغم الاختلاف الكبير بين دعوة الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم وتعامل القادة والمسؤولين مع مرؤوسيهم، فلا شك أن الصبر في التعامل مطلوب وعدم اليأس في الإرشاد والتوجيه والإدارة. مع التأكيد بطبيعة الحال أن هنالك تجاوزات وأخطاء لا تغتفر ومدد زمنية في الحالات الإدارية للتعامل مع أصحاب الأداء الضعيف. حفظ المكانة لأهل الفضل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب"، ونجد ذكر يونس عليه السلام في القرآن الكريم وسورة تحمل اسم سورة يونس مما يدل على مكانته عليه السلام. ويستفاد من ذلك أهمية حفظ المقامات والمكانة لأهل الفضل. وفي عالم القيادة لا يصح أن يتم التركيز على غلطة صغيرة أو اجتهاد خاطئ ومحو كل الإنجازات والأثر الإيجابي والجهود العظيمة لموظف أو شخص قيادي. وختاماً، دعاء سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" الذي نجاه الله عز وجل به من الغم وكذلك ينجي المؤمنين ليست مجرد كلمات تقال، بل أسلوب عمل ومنهجية حياة لكل قائد وكل إنسان يواجه التحديات والصعاب. وكما أنقذ الله يونس عليه السلام من ظلمات بطن الحوت والبحر والليل وأكرمه بإيمان مئة ألف أو يزيدون من قومه، فمن المهم أن يحسن الإنسان الظن بالله ويتوكل عليه ويبذل الأسباب ويعلم أنه مهما تعقدت الأزمات وعجزت الحسابات فإنما أمره سبحانه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.