في أقل من 48 ساعة بتحرك سعودي واعٍ وحكيم تمثل في اتصالات استباقية من وزير الخارجية وزيارة تاريخية من وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية؛ انطفأت شرارة حرب نووية كانت قاب قوسين أو أدنى، كانت ليلة أشبه بالأفلام البوليودية بين نيران وصواريخ وعمالقة أصدقاء وأشقاء للمملكة، وتاريخ السعودية كفيل باحتواء أي تصدعات دولية، خاصة في العشر سنوات الأخيرة بات صوت الرياض الأعدل والأمثل والأكثر عملية. وقد سبق هذا المشهد تاريخ ودعوات حكيمة للتهدئة، فالحرب بين الهندوباكستان حرب مكانة أكبر من كونها حرب هامشية، وكلا الدولتين لها ثقلها وتسيران في خطوط متوازية. إن التدخل المبكر لمنع المزيد من الحروب في قارة آسيا التي لا تلبث أن تهدأ دولة حتى تشتعل دولة أخرى، أمام ضعف في الاقتصادات الضخمة وانتشار الفقر في الكثير من دول الجوار، فإن المملكة اليوم تحاول قدر المستطاع أن تعيد صناعة القوة الآسيوية ليس كثقل جغرافي مترامي الأطراف ومليارات من البشر فقط لكن لأن لدينا إدراك حقيقي لما يمكن أن تؤول إليه هذه الحرب التي لو اشتعلت ستغير خارطة العالم. في الوقت الذي يتهرب فيه العالم من التعامل مع واقع هذه الأزمة العاصفة، فقد أظهرت المملكة تصرفاً أكثر واقعية، والثقة المستحقة من الأطراف المتنازعة تجعلنا نتفاءل ولو بشكل جزئي بالهدوء النسبي المتوقع، أمام ترحيب دولي بهذه المبادرة رفيعة المستوى. ورغم وجود وساطات دولية عديدة أجد أن الوساطة السعودية سيكون لها الأثر الأكثر على المدى البعيد خاصة للتقارب الثقافي مع الهند من جهة والروابط الدينية والتقارب المعرفي والاستراتيجي مع باكستان من جهة أخرى. وقد يحصر البعض العلاقات السعودية الباكستانية في كونها تتجسد بالتحالفات العسكرية فقط، وهو تصور قاصر، فإن العلاقات التاريخية والاجتماعية أعمق بكثير من ذلك، ولعل الأيام القادمة تحمل المزيد من أوجه التعاونات المحتملة، وقد شاهد العالم القوة الباكستانية التي لا أظن أن أحداً يتمنى إيقاظها، وذلك لمصلحة الأطراف كافة. إن توقف الحرب لا يكفي، والعمل على إيجاد منطقة حياد في خارطة السياسة ليس بالأمر اليسير، والأيام دول، الدمار المحتمل من تصاعد الصراعات في الشرق سيقود العالم لنهايات كارثية، ونحن جزء من هذا العالم. نعم، إن العمق السعودي وثبات المملكة داخل هذا المحيط الهائج من كل الاتجاهات يعكس عملاً دؤوباً وفكراً منطقياً واستراتيجياً، يعيد هيكلة القوى ويحتضن الكبار في أزماتهم. ترمب قادم إلى الرياض والعالم تتجه أنظاره نحوها أملاً في صناعة المزيد من السلام والطمأنينة، ولعلنا نشهد ولادة مساعٍ إنسانية ضد حرب عالمية يبدو أنها تترنح بين المصالح والاحتمالات، لنعيد طرح السؤال أو حتى صياغته من جديد: ما الذي نتوقعه بعد في ملف التقارب الآسيوي؟ وحدها الرياض ستجيب.