تُعدّ النرجسية مشكلة اجتماعية، توصف أنها اضطراب في شخصية الإنسان، ومن أسبابها الأهم فترة التربية، فيتعود الطفل على الإيذاء والإساءة والإهمال، وفي بعض الأحيان بسبب الدلال الزائد، ويتميَّز اضطرابُ الشخصية النرجسي بنمطٍ مستمر من الشعور بالفخامة أو العَظَمة، والحاجة إلى الإعجاب، والافتقار إلى التعاطف، ويبالغ الأشخاصُ المصابون باضطراب الشخصية النرجسي في تقدير قدراتهم، ويبالغون في مُنْجَزاتهم، ويميلون إلى التقليل من شأن قدرات الآخرين، ويقال إن الشخص الأناني لا يقبل النقد البناء وغالباً ما يلجأ إلى الغضب والانزعاج عندما يواجه معارضة لأفكاره من قبل الآخرين، ووصف الدكتور أرت ماركمان -أستاذ علم النفس بجامعة تكساس- الشخصية الأنانية أن صاحبها يضع أهدافه الخاصة بشكل دائم فوق أهداف الأشخاص الآخرين. دائماً في صراعات وتحدث د. عبدالرحمن الصبيحي ل"الرياض" قائلاً: أحب أن أوضح نقطة مهمة، حول الفرق بين الأنانية النرجسية، فالأنانية تعتبر طبعا في بعض الناس تنشأ من التربية، فالطفل الصغير يربى أن يكون معطى ومخدوم من خلال والديه والبيئة المحيطة به، أو يكون أنانياً؛ لأن والديه أنانيين، وأقاربه يغلب عليهم الأنانية، فبالتالي يصبح أنانيا مثلهم، أمّا النرجسية فهي اضطراب الشخصية -أي شخصية الإنسان-، ومن أسبابها الأهم فترة التربية، فتعود على الإيذاء والإساءة والإهمال، وفي بعض الأحيان الدلال الزائد، مما يجعل الإنسان نرجسياً؛ لأنه تعود على أن يُدلل، فبالتالي حينما يكبر يريد أن يظهر أمام المجتمع بالصورة التي اعتاد عليها، وهو لا شك اضطراب في الشخصية، مبيناً أن النرجسية تبدأ من واحد إلى 10، ويعني الرقم واحد أنه طبيعي، لكن الوصول إلى الرقم خمسة نعتبره اضطرابا في الشخصية، أمّا الرقم 10 فنعتبره مرضا نفسيا، والحديث يطول حول هذا، لكن الإنسان النرجسي مشكلته مشكلة، فهو يتجاوز مشكلات الشخص الأناني، والأخير سهل التعامل معه في أي صورة كانت، أمّا النرجسي فهو يؤذي نفسه ويؤذي أهله ويؤذي عائلته ومجتمعه، فتجده دائماً في صراعات، يريد أن يثبت الأنا: "انظروا لي"، "شوفوني"، "شوفوا لبسي وأسلوبي"، "أنا أحسن واحد"، وهكذا فهو في هذه الحال إنسان مزعج جداً جداً. للأسف يكابرون وأوضح د. الصبيحي أن الحل بسيط جداً لهذا الشخص، حيث يجب أن يعترف أنه يوجد لديه مشكلة، فأغلب النرجسيين يعلمون أن لديهم مشكلة لكنهم يكابرون ولا يريدون أن يعترفوا بمشكلتهم، لكن حينما يشعر بداخله أنه فعلاً كثر الكلام حوله، وأنه هذا وضعه، والناس تتكلم عنه أنه نرجسي، وإنه مؤذٍ، وأنه يظهر بمظهر الإيجابي وهو ليس كذلك، فالعلاج زيارة أو زيارتان أو ثلاث لاختصاصي نفسي متمكن يقوم بجلسات معرفية وسلوكية توجيهية وإرشادية، بشرط أن هذا النرجسي يعلم أن لديه مشكلة اضطرابا ويريد التخلص منها. تَحرّر من الأنا وتوجّه نحو خدمة الناس والتعاون معهم ورأى د. عبدالله السعود أن الأنانية والنرجسية مرض اجتماعي يصاب به الإنسان تدريجياً، يبدأ بحب الذات والإعجاب بها، ويبدأ رويداً رويداً في التغلغل في نفس الشخص المصاب بها، مضيفاً أنه بالإمكان أن يتخلص الشخص منها في حال تعرض لصدمة اجتماعية قوية، قد يخسر بسببها أشياء كثيرة، سواء من أهله أو أصدقائه أو المقربين إليه، تجعله يراجع نفسه وحساباته إن كان شخصاً سوياً، وإلا فإنه ستلازمه طيلة حياته. قضبان الوحدة واستدلّ د. بدر المدرع -أستاذ القانون المشارك- بشواهد من القرآن والسنة عن الأنانية والنرجسية قائلاً: الأنانية مبنية على أساس المصلحة، التي أبعدت شعور الانتماء للجماعة، ومطالبها مادية بحتة، وسبب ذلك سعيها وراء المنافع، فالأناني بعد تماديه سيفني بقية حياته خلف قضبان الوحدة، فهو أشبه بالأسير في زنزانته حتى يصل به الحد تمني الموت، ولا ننسى أول أنانية مرت على الإنسان، كانت دوافع الانتقام فيها جلية وظاهرة، فهي قصة ابني آدم حتى "فطَوَّعَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسِرين"، لهذا كانت وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ورسائله واضحة جلية في نبذ صفة الأنانية، حيث قال: "حب لأخيك ما تحب لنفسك"، ووصايا ربنا عز وجل القائل: "سنشد عضدك بأخيك"، وما أقصده هو ترك تلك الصفة الممقوتة التي تجعل صاحبها مستصغراً أمام الآخرين، فلا ينال علو المقام، ولا رفعة المنزلة. عدو ذاته وأضاف د. المدرع: نحمد الله أن جعل هذا الوصف غير محمود عند العامة، حيث يسود فيهم أهل القيم الشريفة المملوءة بحب الجماعة والشعور الواحد والتضامن والرعاية والأسرة المتماسكة المترابطة، فتلك هي محاسن الأمة المحمدية التي نادى بها وجعلها مثالاً يحتذى به في إحياء دوافع المودة كي تكون كائناً إنسانياً فيه منتمياً إلى مملكة السماء، وأما ما يخص النرجسية، فأود أن ألفت نظر القراء، أن صاحبها عدو ذاته، يقتل نفسه بتصرفاته دون أن يشعر، والمحزن فيها أن النرجسيين يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً، وهو في طريق منحدرة تهوي بذاته إلى الخوض في غمار وحل التصرفات البذيئة، التي تجعله أمام الآخرين أضحوكة يذكر اسمه وتتداول حكاياته في مجالس العامة، مبيناً أنه لن يتكلم عن النرجسية من منظور طبي فهذا شأن المختصين والمعالجين، لكن من منظور اجتماعي، ووجد أكثر من موقف مر عليه، حيث ابتعاد أقرب الناس عنهم، فجليسهم يتصف بالمهانة والمذلة خوفاً من أذاه واتقاء شره. أوهام النجاح وشاركنا التربوي فواز آل داوود -مدير مكتب التعليم بالدرعية سابقاً- بوصف للأنانية والنرجسية وأنهما حالتان مرَضيتان واضطراب نفسي يؤثر على الصحة العقلية للإنسان، مضيفاً: يظهر ذلك في المظاهر السلوكية التالية؛ كشعور مفرط بأهمية الذات، وأوهام النجاح والقوة، والإعجاب المفرط بالأنا، بحيث يتصرف كأنه فريد من نوعه، والتصرف على أنه يستحق كل اهتمام ومدح وكل ميزة مادية، ويستغل ويحسد الآخرين، لا يتعاطف مع من حوله، ويتصرف بالتكبر والعجرفة، مبيناً أنه تكاد منصات التواصل الاجتماعي تفيض بالأنانية في أشكال متعددة كصور السلفي وتصوير كل جوانب الحياة الخاصة والأعمال المعتادة ومخاطبة كل العالم بصفة المفكر والمنظر والمحلل الاستراتيجي ..الخ، مشيراً إلى أن النرجسية تتلاشى أو تقل مع وصول الإنسان إلى سن الرشد ومع التقدم في العمر وهذا ما يفسر حكمة وصمت الكبار، مؤكداً على أن هناك كتبا تختص في التخلص من الأنا، وهي عبارة عن رحلة لاكتشاف الذات والتغلّب على الأنا الدفاعية التي تعيق الإنتاجية وتحرم الأفراد من تحقيق النجاح والسعادة، من خلال عدد من الخطوات السهلة لتحرير الذات من الأنا، والتوجّه نحو خدمة الآخرين والتعاون معهم، والاستناد إلى تجارب المؤلفين وحواراتهم مع عدد ممن حققوا نجاحات ومنها النجاحات في كافة المجالات المهنية والإدارية والرياضية. أعراض نوعيّة ويقوم الأطباءُ بتشخيص اضطراب الشخصية النرجسية استنادًا إلى أعراض نوعيّة، مثل الشعور المبالغ فيه وغير الصحيح لدى الشخص لأهميته الذاتية ومواهبه، والحاجة إلى الإعجاب غير المشروط، والشعور بالاستحقاق، وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة (jpsp) والتي أقيمت على نحو 6000 شخص في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والتي اعتمدت على قياس الإيجابيات عند الإنسان وتأثيرها على الأنانية لديهم، فقد أشارت إلى أن من يتمتعون بالإيجابية والشعور بالسعادة أقل تعرضاً إلى صفة الأنانية عن غيرهم، وعند وصول الشخصية الأنانية إلى منصب قيادي فإنه يحاول أن يصل إلى مكاسبه الشخصية وطموحاته بغض النظر عن العاملين معه حتى لو عرضهم للخطر، كذلك لا يتقبل الشخص الأناني النقد البناء وغالباً ما يلجأ للغضب والانزعاج عندما يواجه معارضة لأفكاره من قبل الآخرين، لاعتقاد الشخص الأناني أنه دائماً أفضل من الآخرين، فإنه غالباً ما يصدر الأحكام الخاطئة على الآخرين دون معرفة الحقيقة، وعادةً ما يبالغ الشخص الأناني في الإنجازات التي قام بها خلال حياته حتى وإن كانت غير صحيحة، وهنا علينا مساعدته للتخلص من الأنانية من خلال التحدث معه وإشراكه في العمل الجماعي والذي يحد من الشخصية الأنانية بقدر كبير. النرجسي يحارب الآخرين من أجل تحقيق أهدافه الخاصة د. عبدالرحمن الصبيحي د. بدر المدرع فواز آل داوود د. عبدالله السعود