الامتنان.. سحر السعادة

لفت سمعي تكرار ضيف أحد الحوارات الإذاعية امتنانه للكثيرين من حوله، من والدين دعماه، إلى صديقٍ لم يبخل عليه قط، إلى زوجة وقفت في الضراء قبل السراء، ترافق ذلك مع وهج سعادةٍ يشع من وجه! وتوفيقٍ يتضّح من مسيرته.. بالتأكيد هذا سِحر الامتنان!
حينما تنسِب الفضل لأهله ممن حولك، وتُعبر عن شكرهم وتُظهر صور التقدير لهم، فقد أصبت شعور الامتنان، وهي عاطفة اجتماعية تفصح عن إدراكنا الإيجابي لمن فعله الآخرون لصالحنا، وهذه المشاعر بتقديرها الإيجابي يتجاوز أثرها من تمتّن له؛ إلى أن تعود على حالتك النفسية بأضعاف مضاعفة من الرضا والسعادة.
تنبّهت مبكراً لأثر ممارسة الامتنان على بهجة روحي وصفاء قلبي، فاعتدت دوماً على تقدير من حولي، لأنهم رأس مال حياتي، سواء من عائلتي الصغيرة: الوالدين، الزوجة والأبناء، الأخوة والأقارب، فهم من يقدم كثير التفاصيل ولا ينتظر المقابل، وهي عادة حميدة اكتسبتها من والدتي نورة السويلم -رحمها الله- بالامتنان أولاً لخالق الكون، أن أحسن خلقتي ورزقني الإسلام، وأنعم عليّ بالصحة والعافية، ورزقني العائلة الطيبة والوطن المبارك.
أيضاً يُقدم الأصدقاء والزملاء وحتى العابرون العديد مما يستحق الامتنان، وتقديرهم يوثق عرى العلاقة ويعزز المحبة، وبالذات حينما يكون ما يقدم غير متوقع أو غير ملزم لهم، فتزداد أهمية الامتنان ويكاد يكون واجباً. ناهيك عن أن الامتنان الصادق والمتوازن قد يزيد بشكل لا يصدق مما يقدم لك من الآخرين؛ لأنك قدّرت ما يفعلونه تجاهك فقط، وهو أمرٌ ملحوظ حين مراجعتك للدوائر الحكومية أو تعاملك مع بائعٍ أو مُباشرٍ مثلاً.
البعض يمتد بالامتنان ليشمل كل شيء في حياته.. للهواء الذي يتنفسه، للشمس والغيوم، كل ما حوله من خيرات ومسرات، مما يزيد شعور الثقة بالنفس ويرفع مستوى الرضا، ويضاعف القدرة على الشعور بقيمة اللحظات الجميلة، وعلى تقدير النعم والتلذذ بها، بدلاً من مراقبة الآخرين وحسدهم على ما هم فيه، وعلى التكيف مع الظروف المختلفة وتقلبات الحياة، والأهم أن تقدر قيمة النعم حتى لا تزول.
إحدى الدراسات الاجتماعية وجدت أن الامتنان المباشر أو كتابة رسالة امتنان يؤدي إلى الشعور بسعادة ملحوظة لأسابيع متواصلة، بالذات بعد الامتنان المباشر، ومن أشهرها دراسة "ماكراتي وزملاؤه" التي خلصت إلى أن الأشخاص الذين يتبنون الامتنان في حياتهم يعيشون بشكل أفضل، ويواجهون مستويات أقل من التوتر اليومي، ويعيشون شعور الرضا عن جودة حياتهم.
حاول يوماً ما أن تختلي بنفسك، وأن تدوّن ما تعيشه من نعمٍ، وأن تذكر أسباب هذه النعم ممن حولك، حتماً سوف تبهر من تعدد أسباب وجوب الامتنان، وأن تعيش في بحر من النعم والخيرات، فلا تبخل على روحك بالأثر النفسي الإيجابي... كل ما يحتاج الأمر مجرد كلمات تقدير وامتنان.