قربان: المعيار المهني للجوالين يعزز ريادة المملكة في حماية البيئة    وزير الداخلية يستقبل سفير جمهورية سنغافورة لدى المملكة    مجمع إرادة بالدمام ينفذ مبادرة سقيا كرام    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران عضو مجلس الشورى المدخلي    3 جوائز دولية للمنتخب السعودي في أولمبياد المعلوماتية 2025    الشرق الأوسط للرعاية الصحية: نمو قوي في الإيرادات وصافي الربح للربع الثاني من 2025    بقيادة المدرب الجديد.. الأنوار يبدأ الاستعداد لدوري يلو    بحضور الرئيس.. كبير الشرقية يواصل التحضيرات    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ محافظة الطوال وأهاليها    النصر يخسر وديًا أمام استريلا دا أمادورا البرتغالي    مطار أبها الجديد.. وجهة المستقبل بعبق الماضي    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10833) نقطة    وفد من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان يزور مؤسسة رعاية الفتيات بالرياض    فيصل بن مشعل يُكرّم المتميزين من منسوبي شرطة القصيم    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ممثلاً بإدارة المساجد في الريث يتابع أعمال الصيانة والتشغيل في الجوامع والمساجد    أوبك+ : 8 دول من بينها السعودية تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 547 ألف برميل يوميا في سبتمبر 2025    القبض على (7) مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم (200) كيلوجرامٍ من "القات"    القيادة تهنئ رئيس جمهورية النيجر رئيس الدولة بذكرى استقلال بلاده    السعودية تدين استفزازات الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى    الاتحاد يخسر مباراته الودية أمام "بورتيمونينسي"البرتغالي    اختتام فعاليات "عام الإبليات" في مقر منظمة الفاو بروما بحضور سمو رئيس الاتحاد الدولي للهجن    3.4 طن مشتريات السبائك    1547 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ الجمركية في أسبوع    لا تقدر المحكمة الأتعاب في القضايا الفرعية.. تعديلات على أنظمة التوثيق والتحكيم والمحاماة    فسح وتصنيف 90 محتوى سينمائياً خلال أسبوع    مدير متحف يسرق آثاراً على مدار 17 عاماً    وسط تفاقم الأزمة الإنسانية.. الاحتلال يتوعد بمواصلة الحرب في غزة    أعلن تفكيك شركات مرتبطة بالجماعة.. الأردن يشدد الإجراءات ضد الإخوان    التشديد على وضع العبارات التحذيرية بشكل واضح.. مشروبات الطاقة.. لائحة جديدة لضبط المواصفات والمعايير    الدفاع المدني: افتحوا النوافذ عند تسرب الغاز    أمانة جازان تُشغّل محطة تصريف مياه الأمطار الثالثة في جيزان    "العقيل": جازان الأعلى هطولًا في أغسطس وتحذيرات من السيول المنقولة    البكيرية.. مشروعات نوعية وتنمية شاملة    الفخر بقيادتنا    في الشباك    إنجازات بين التأطير المضلل والإغراق    إعادة تشكيل الوعي بين الثقافة والتقنية    حين يصير الصمت موقفاً والعزلة وعياً    الذكاء الاصطناعي تهديد أم إضافة؟    إدارة الأزمات في العصر الرقمي    «العزيمة السعودية» من ريال فلسطين.. إلى اعتراف الدول    دواء ل"ألزهايمر" يستهدف مراحل المرض المبكرة    أطول صاعقة برق في التاريخ    أرى من أنبوب.. رواية توثق تجربة بصرية نادرة    جورب متسخ لمايكل جاكسون يباع بالآلاف    ابتكارات أيتام سعوديين تتخطى الحدود    Photoshop بذكاء اصطناعي متطور    سقوط لعبة الطائف يفتح ملف الإهمال في الملاهي    أوقفوا نزيف الشاحنات    المولودون صيفًا أكثر اكتئابًا    أطعمة تحسن نومك وأخرى تفسده    إمام المسجد النبوي: الدنيا سريعة فاستغلوها بالأعمال الصالحة    إصابة 4 من عناصر الجيش السوري و3 مدنيين إثر قصف صاروخي نفذته «قسد»    خطيب المسجد الحرام: التقنية نِعمة عظيمة إذا وُجهت للخير    محافظ الدرعية يجتمع مع مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميكانيكا التفاهة وتطبيعها..!
نشر في الرياض يوم 04 - 03 - 2023

يردد كارل كراوس "هوت شمس الثقافة أرضاً، حتى أصبح الأقزام أنفسهم يظهرون بمظهر العمالقة" ليشير إلى واقع تواصلي مرتبك، ويؤكد تلك الدلالة المؤلمة التي تتمثل في سيطرة التافهين وإحكامهم الفوضوي على مفاصل الوسائل التواصلية ويشير إلى محتوى مغتص بإغراق عشوائي مفرغ من المعقول.
حين يتم ترديد لفظ "التفاهة" على أسماعنا هل ننتبه.. هل تستغربها.. هل تستفزنا.. هل تعني شيئاً.. هل نعتبرها أمراً جللاً..؟ أكاد أجزم أن الكثير لم يعد يبالي باللفظ والمضمون حيث أصبح وضعاً راهناً، وأمسى منتجاً مرغوباً، وصار ثقافةً مبررةً في هذا الزمن الملبّد بالرغبات والغرابات، عصر سطوة الهوى الرقمي. وكأننا نعيش توجهاً يكاد يكون طبيعياً نحو التفاهة في كل شيء تقريباً كما يبدو أيضاً أن الأقزام التافهين باتوا يظهرون بمظهر العمالقة.
هل يعنيك أن تسمع وتشاهد محتوى تافهاً أو أنك لا تعرف تقييم ما تراه وتشاهده وتسمعه أم أنك تتجاهل وعيك ورقيبك العتيد؟ التفاهة تكمن في حطّ القيمة وتدني الأهمية، وغياب الحق، وحضور الباطل، وتسيد البلادة، وطمر الغباء، وسيتجه المعنى إلى أن تعني الحقارة والدناءة.
قانون التفاهة ونظام الإشهار وقاعدة الشهرة تستوعبها معطيات فارغة مختلة تنطلق من قاعدة ذهبية يراها ويزعمها التافهون "ما تكسب به العب به" لذا عليك فقط أن تتبع أسلوب "خالف تُعرف"، و"شذّ تلذ" و"كرر الأكاذيب يصدقوك" و"استثر تؤثر فيتأثر الغير" و"طاول الممنوع تصبح مرغوب" هنا سيكثر المعجبون بك، وسيجتمع حولك المتابعون، ويتكاثر المصفقون لك، ويتزاحم المقبلون عليك. هكذا صارت قاعدة النجاح، في ظل نظام التافهين فلسان حالهم يقول: "العب اللعبة"، لا تبال بمواعظ.. ولا مكان للعقل، ولا حاجة إلى الحس النقدي، ولا تفكر في إسداء النصح لأحد "كن معتداً بنفسك، وأظهر متكبراً، ولا تقدم أي فكرة جيدة.. فقط التزم قواعدك واتبع طريقك وحدك. تلك بعض من معايير ومقومات وأسس اشتغال نظام التفاهة.
الغارقون في التفاهة كثر من حولنا، ينتشرون في كل الزوايا الضيقة والمعتمة، تطل رقابهم المائلة، وتظهر ألسنتهم الخشنة من كل مكان، ويدخلون البيوت عنوة، وما باليد من حيلة لطردهم. نعم ما يحدث حالياً تعدى الحدود الطبيعية إلى أن تحول الأمر إلى عملية سريعة جداً لصناعة التفاهة، وإشهار التافهين والدفع بهم لساحات شاسعة من الغي والجهالة، فيتّبع الغارقون ويتعلقون بأن التفاهة تحيط بنا، فأينما تولي وجهك تجدها بازغة، ولا خيار لنا أمامها سوى أن نلعب اللعبة، فكل ما يقع؛ بلا ضابط ولا مانع حيث يجري وفق منهج نزع القناعات وإمكانية اللعب مع التافهين.
مؤكد أن وسائل التواصلية منحت فرصاً لكثير من بسطاء العقول، ورعاع الناس للظهور والانتشار، وتطبّع الكثير متابعين ومستخدمين مع هذا العبث عبر تعزيز وجود النكرات والمجاهيل والمغمورين الذين لم يكونوا شيئاً في مدارج الشهرة ومصاعد النجومية.. والمقابل بخس فقط عليهم القيام بتقمص عبثي، وحركات تافهة. عن هذا الوضع قال ذات مرة الروائي الأمريكي سانتايانا: "حب الشهرة أعلى درجات التفاهة".
لا تنحصر ميكانيكا التفاهة وتصنيعها في ورش الوسائل التواصلية فحسب حتى إن ظلت مصدرها الأول بلا منازع وذلك بسبب المقومات التقنية التي أدّت إلى استلاب كثير من العقول الهشة وتعدت إلى حجب الوعي الذاتي، وترقيق أخلاقيات الفرد المتفاعل مع المحتوى المعروض ساهم في "تقزيم" الأدب، وتسطيح الثقافة، وإلغاء القيم، والتباس المفاهيم..
واقع التفاهة التواصلية هو واقع موشوم بكثافة الوجوه، وتعدد المحتوى، واختلاط الشوائب، وتمازج الصالح بالطالح، فلا ولن يُعرف أهل العقل والعلم والوعي أمام أصحاب الهوى والزيغ والجهل والضلال فطغيان الغثاء والزبد يغطي على ما ينفع الناس، والمحتوى النافع غالباً لن تجد له وسيلة وقبولاً أما محتوى التفاهة سيجد لدى بعض المندفعين هوائياً قبولاً بغض النظر عن المحتوى.
ويبقى القول: التفاهة عتبة الشهرة هكذا يراها المبتذلون الكاذبون الذين يحاولون تطبيعها بيننا بعدما وضعوا لأنفسهم مقاماً ومكانة عظيمة وجدوها من ملاحقة البسطاء والمتأثرين وليست بسبب قيمتهم الحقيقية، فمعظمهم بلا هوية ولا تاريخ لهم في الفهم أو الوعي أو العلم بسطاء قادوا بسطاء فتحولوا إلى نماذج بشرية مضخمة.. وهذه التفاهة وجدوها صناعة تتدفق عبر وسائل مختلفة تعينهم على الربح المادي فقط، فغابوا وكرسوا تغييب الوازع الديني، ومخالفة الأدب والأخلاق، ومشاكسة الرقيب الذاتي عبر دعمهم وإحلال واحتلالهم كرموز تافهة قدموا أنفسهم قادة ومهمين ومؤثرين، وصانعي محتوى لا أحد ينافسهم من تضخم الأنا ولا يسألهم أحد عما يقدمون من محتوى تافه.. فهل ستتعرى أيها البسيط من عقلك ليلبس التافه سلوكه من جيبك وقدرك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.