يتصارع قادة ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران على النفوذ والمصالح، وتزداد حدة التنافس بينهم للاستحواذ على أموال وثروات اليمنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم منذ انقلابهم على السلطة الشرعية واجتياح العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014. وفي الآونة الأخيرة، اتسعت دائرة الخلاف أكثر فأكثر مع فترات الهدنة، كما هو الحال مع هدنة 2 أبريل المنصرم والتي ما زالت مستمرة عمليا بشكل غير معلن حتى اليوم. ملامح تصاعد الصراع وظهرت ملامح تصاعد صراع قادة الحوثيين، بشكل متزايد بين محمد علي الحوثي، الذي يتزعم جناحاً خاصاً ويبني هياكل أمنية وعسكرية وإدارية لصالحه داخل العصابة الحوثية بحسب تقرير فريق خبراء الأممالمتحدة الذي قال إن "محمد الحوثي يشكل أكبر تهديداً لقيادة عبدالملك الحوثي للميليشيا". إذ يخوض فصيل محمد علي الحوثي وهو من أبناء عمومة زعيم الميليشيا، صراعاً كبيراً مع جناح آخر، يقوده أحمد حامد الصديق المقرب من عبدالملك الحوثي وتربطه بهذا الأخير علاقة صهارة. كما أن حامد أيضاً يعد الشريك الرئيس في ملكية وإدارة الشركات النفطية التابعة للمتحدث باسم الميليشيا محمد عبدالسلام الذي تمكن منذ استيلاء ميليشياتهم على مفاصل الدولة اليمنية، من تكوين ثروة مالية وتجارية ضخمة، واستولى على معظم القطاعات الاقتصادية لا سيما النفطية، علاوة على إدارته لشبكة مالية كبيرة، وبات يتحكم في 30 شركة تجارية واقتصادية ومصرفية، تعمل بعض منها في قطاع الخدمات النفطية أبرزها شركة "يمن لايف" النفطية، وشركات تجارية واستثمارية ومقاولات عامة وصرافة. ويتكتل المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، ضمن جناح أحمد حامد المدعوم بشكل كبير من زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي، ويتولى ظاهرياً مدير مكتب مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الحوثي المسؤول على حكومة الانقلاب غير المعترف بها. جناح النفط كما يوصف حامد بأنه المشرف على قرار المشاط، الأمر الذي يشكل ازعاجاً غير مرئياً لدى المشاط، لكنه مضطراً للتكتل ضمن جناح مدير مكتبه، أحمد حامد كونه مدعوما من زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي، ومسنودا بالثروة المالية والقطاعات الإيرادية التي يديرها محمد عبدالسلام المتحدث الرسمي باسم الميليشيا، الأمر الذي عزز من نفوذ هذا الجناح وسيطرته على معظم المؤسسات الحكومية والموارد العامة المحتلة في صنعاء وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. وهو ذات السبب الذي دفع بالجناح الاخر الذي يتزعمه محمد علي الحوثي للبحث عن أوراق وعناصر قوة من خارج التنظيم العسكري والأمني للميليشيا، إذ بدأ مؤخراً يلعب بأدوات وأوراق مثل القبائل اليمنية في مناطق سيطرة الميليشيا. وعزز محمد الحوثي، التهديد الأبرز لقيادة عبدالملك الحوثي، حضوره بشكل لافت في أوساط القبائل وسط حالة التذمر الواسعة في الأوساط القبلية من قيادة الميليشيات وفسادها واحتكارها للسلطة والموارد العامة، وعبثها بمصالح القبائل والاستحواذ على النفوذ وإلغاء دور القبيلة اليمنية، لصالح السلالة الحوثية التي تستقوي عليهم بالدعم الإيراني وارتباطاتها بالحرس الثوري الإيراني الإرهابي، وتنظيم حزب الله الإرهابي. ويستغل محمد علي الحوثي حالة التذمر الشعبي والقبلي تجاه زعيم الميليشيا وفساد وعبث وفشل حكومة الانقلاب الذي يديرها فعلياً منافسه وخصمه الأبرز أحمد حامد. التنافس على ولاء القبائل ورغم النهج التأريخي للعائلة الحوثية تجاه القبائل اليمنية، القائم على اعتماد سياسة "فرق تسد" وتغذية الثأر والصراعات البينية القبلية، ليسهل للحوثيين الاستفراد بالجميع والبقاء في السلطة واحتكار الموارد العامة، إلا أن محمد الحوثي وبدوافع الصراع مع جناح أحمد حامد المدعوم من زعيم الميليشيا، اضطر خلال الآونة الأخيرة للعب دور الحريص على لم شمل القبائل وحلحلة صراعاتها البينية ليس حرصاً عليها وإنما بهدف استغلالها في صراعات الأجنحة داخل الميليشيات. وقاد محمد علي الحوثي عشرات الوساطات لحل خلافات وقضايا ثأر بين القبائل بهدف استقطاب القبيلة اليمنية في صفه ضمن محاولاته الرامية لبناء وسائل قوة خاصة به. وفي هذا السياق زاد محمد الحوثي من تنقلاته بين القبائل والمناطق اليمنية خلال الآونة الأخيرة، حاملاً من خلالها رسائل داخلية وخارجية في لحظة تعاني الميليشيات من تزايد حالة القلق لديها من ثورة شعبية وانتفاضة قبلية محتملة ضدها، بعد انكشافها وعجزها الكامل في إدارة المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، ورغبتها الجامحة في احتكار السلطة والموارد العامة في نطاق السلالة الحوثية التي تشكل أقلية داخل محافظة صعدة وعلى مستوى اليمن. إب.. محور جديد للصراع وبرز مؤخراً تنافس كبير بين الأجنحة الحوثية على المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرتها، لا سيما المناطق ذات الكثافة السكانية وتلك المحافظات التي ينشط سكانها في مجال التجارة أو تكثر بها مظاهر الاغتراب، مثل محافظة إب، رابع أكبر محافظة يمنية من حيث السكان. وتتصدر إب المحافظات اليمنية الأخرى من حيث استقبال الحوالات المالية بالعملة الصعبة التي يرسلها أبناء المحافظة المغتربين. وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 400 ألف عامل مغترب من محافظة إب، الأمر الذي دفع بقادة الميليشيا، والأجنحة المتصارعة للتنافس على محافظة إب والاستحواذ على الحركة التجارية والعقارية والمالية فيها. ورغم أن معظم قادة الفصائل والأجنحة المؤثرة داخل الميليشيات ينتمون إلى أسرة بدر الدين الحوثي ومنطقته في محافظة صعدة، إلا أنهم يتنافسون لإخضاع سكان المحافظات اليمنية المترامية وفرض جبايات باهظة عليهم والاستحواذ على مواردهم وممتلكاتهم بقوة السلاح والعنف. وفي مطلع أكتوبر الماضي، أجرى أحمد حامد المنافس الأبرز لمحمد علي الحوثي، زيارة طويلة لمحافظة إب وسط اليمن، واستمر فيها نحو أسبوعين، التقى خلالها برجال أعمال ومشايخ وقادة اجتماعيين، وحثهم على عدم التعامل مع أي قيادات أخرى، في إشارة إلى محمد الحوثي، كما شدد على أهمية وحدة الصف الداخلي للميليشيا، وحذر السكان في المحافظة من تبعات الاستمرار في التظاهرات والاحتجاجات. وتعد محافظة إب، المنطقة الأكثر إزعاجاً للميليشيا من حيث نسبة الاحتجاجات الشعبية ضدها، حيث تشهد عشرات التظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية الشعبية على نحو يومي ضد الانفلات الأمني الكبير وتزايد جرائم القتل والنهب والعصابات والجريمة المنظمة المرتبطة بقيادة الحوثيين. كما شهدت إب مئات المظاهر الاحتجاجية خلال العام المنصرم تنديداً بسياسة التمييز الحوثية العنصرية تجاه أبناء إب، فضلاً عن فشل الميليشيات في جميع المجالات الأمنية والخدمية والاقتصادية والتنموية، وحملات السطو المنظمة التي تنهجها بحق أراضي المواطنيين، ورفضاً لما تمارسه قيادتها من ابتزاز للمغتربين من أبناء إب من خلال الضغط على أسرهم وممتلكاتهم في الداخل لإجبارهم على دفع مبالغ مالية بشكل مستمر. زيارات مضادة وما إن انتهى أحمد حامد مدير مكتب مهدي المشاط، وصاحب القرار الأول في الميليشيا من زيارته لإب، حتى أجرى محمد علي الحوثي زيارة مماثلة للمحافظة نفسها، استمرت شهرا كامل، حاول من خلالها تعطيل نتائج الزيارة الماضية لمنافسه أحمد حامد. وتقول مصادر قبلية يمنية في إب ل"الرياض" طلبت عدم الكشف عن هوياتها: "محمد الحوثي استقر في إب أسابيع ورفض العودة إلى صنعاء، ما أثار مخاوف قيادة الميليشيا في صنعاء وصعدة"، الأمر الذي دفع بزعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، إلى توجيه مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الحوثي، لإجراء زيارة خاصة لمحافظة إب بهدف الجلوس مع محمد الحوثي وحثه على العودة إلى صنعاء والتوقف عن إثارة الخلافات الداخلية وتحريض السكان ضد قيادة الميليشيا. واستجابة لتوجيه زعيم الميليشيا، أجرى مهدي المشاط الأسبوعين الماضيين زيارة خاصة إلى إب، التقى خلالها بمحمد علي الحوثي، لكن المشاط فشل في إقناعه بالتهدئة ووقف التصعيد وتوجيه الضربات من تحت الحزام. وبعد أيام قليلة من اللقاء، انتقل هذا الأخير إلى محافظة ذمار، وهناك التقى بمجاميع ومشايخ قبائل ذمار، وحرّضهم على مهدي المشاط ومدير مكتبه أحمد حامد، باعتبارهما يتحملان مسؤولية الانفلات الأمني والفساد وغياب الخدمات وارتفاع الأسعار والانهيار الاقتصادي الشامل، داعياً القبائل إلى المطالبة بتحمل الحوثي مسؤولياته في جميع المجالات. ولم يخف قادة في جناح أحمد حامد انزعاجهم من التحريض والتحشيد المُمارس ضدهم من قبل جناح محمد الحوثي الذي يحملهم مسؤولية الفشل والفساد والعجز في إدارة المؤسسات والمحافظات التي تحتلها الميليشيا. تبادل اتهامات وقالت مصادر قبلية ل"الرياض" إن محمد الحوثي يوجه اتهامات لمهدي المشاط المحسوب على جناح عبدالملك وأحمد حامد، يتهمه بالفشل والفساد والتضحية بأبناء القبائل للحصول على مكاسب خاصة في طاولة المفاوضات بعد الزج بأبناء القبائل في معارك خاسرة والدفع بهم إلى محارق مؤكدة سلفاً في الهجوم الفاشل الذي على محافظة مأرب والذي استمر منذ يناير 2020 حتى فبراير 2022 دون أن يحقق أي مكاسب. ويقول ناشطون مقربون من قيادات حوثية في حديثهم ل"الرياض" إن اعتكاف محمد الحوثي في إب طوال شهر كامل، كانت رسالة لزعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي، يسعى من خلالها لاستعراض عضلاته وشبكة علاقاته وإبراز حضوره، وبجدارته التي يتفوق بها على منافسه الأبرز أحمد حامد المدعوم بشكل مباشر من عبدالملك. أكبر تهديد وكان تقرير فريق خبراء الأممالمتحدة أكد مخاوف عبدالملك الحوثي تجاه طموحات منافسه الصاعد محمد علي الحوثي، الذي وصفه التقرير الأممي بالتهديد الرئيس لقيادة عبدالملك بدر الدين، ما دفعه أكثر لزيادة دعمه واعتماده على جناح أحمد حامد لإضعاف الجناح المنافس الذي يقود محمد الحوثي. ويقول المحلل السياسي والعسكري اليمني، علي الذهب: "محمد الحوثي، يشكل التحدي الأبرز أمام مشروع الزعامة السياسية لعبد الملك الحوثي، وطموحه الممتد إلى أبنائه، وإخوته، ضمن تحديات خصومه الأساسيين، طرف الحكومة الشرعية". حضور يقابله غياب وكلما حضر محمد الحوثي، في أوساط القبائل والجهات الفاعلة في مناطق سيطرة الميليشيات، توارى في المقابل عبدالملك الحوثي، إلا من ظهور منقوص يتركز في شاشات التلفزة، من مكان مجهول خارج الواقع. ويلفت الذهب إلى أن أدوات الصراع بين الرجلين داخل مركز القيادة، لا تقف عند "حرب الظهور" الطاغي لمحمد الحوثي، وفرض "التغييب" بمدعي الأمن لعبدالملك. فثمة صراع غير معلن، حول التشكيلات المسلحة التي لا يزال محمد الحوثي متحكما فيها، وهي ألوية وكتائب اللجان الشعبية التي تمثل رقما آخر في معادلة قوته، إذ ما تزال تعمل مستقلة. ومن الواضح أن محمد الحوثي، نجح في تحقيق حضور شعبي في نطاق قاعدة أنصار الميليشيا، في المحافظات المحيطة بصنعاء، إلى حيث أصبح يوصف في أوساط حوثية عديدة بلقب "الرئيس الظل" متجاوزين بذلك مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الحوثي، الذي بات محل سخرية وتندر، نظراً لضعف شخصيته أمام محمد الحوثي. نقاط ضعف عبدالملك الباحث والدبلوماسي اليمني السابق، مصطفى الجبزي هو الآخر يرى أن محمد الحوثي يستفيد من غياب ابن عمه زعيم الميليشيا عبدالملك ليجعل منه زعيماً روحياً غائبا عاجزًا عن الحكم وبلا خبرة ميدانية ولا قدرة اتصال ولا علاقات. ويشير الجبزي إلى أن محمد الحوثي أقدر على المناورة الإعلامية، ويرغب في أن يكوّن كيانا داخل الكيان الحوثي. لكن بقاء محمد الحوثي ونجاح مسلكه الإعلامي في الظهور لا يكون إلا بإزاحة خصومه سواء عبر التصفيات والقتل، والتغييب أو من خلال أزمات اجتماعية يتحرك لمعالجتها بطريقته ويرفع رصيده محلياً حتى يصبح هو الدولة الحوثية.