سطت ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، على مرتبات مئات الآلاف من الموظفين المدنيين في المناطق الواقعة تحت احتلالها، وصادرتها لصالح المجهود العسكري ودعم عملياتها الحربية على الشعب اليمني. وصادرت الميليشيات مرتبات الموظفين المدنيين منذ سبتمبر من العام 2016 في صنعاء، وبقية المحافظات اليمنية الواقعة تحت احتلالها، ورفضت جميع المبادرات التي طُرحت من جانب الحكومة اليمنية والتحالف العربي والأممالمتحدة، لصرف رواتب الموظفين للمساهمة في التخفيف من معاناتهم. وتكفلت المملكة والإمارات في مطلع العام 2019 بصرف حوافز نقدية للمعلمين اليمنيين المنقطعة رواتبهم، بمبلغ 70 مليون دولار عبر منظمة «اليونيسف» كمساهمة عاجلة في التخفيف من معاناتهم. وانتهجت أساليب قمعية وإجرامية لإسكات الموظفين المدنيين، ومنعتهم من الاحتجاج والمطالبة بحقوقهم وصرف مرتباتهم، وشنت حملات ترهيب وقمع، ووجهت تُهم العمالة والخيانة لآلاف المطالبين منهم بصرف رواتبهم، فيما تؤكد مصادر حقوقية يمنية ل»الرياض» أن الميليشيات اعتقلت أكثر من 12 ألف موظف ومعلم خلال الثلاث السنوات الماضية، ووجهت إليهم تهمة العمالة لأميركا وإسرائيل بعد أن طالبوا بصرف مرتباتهم. وتقول المعلمة أمنة علي ل»الرياض»: إن سياسة المداهنة الدولية مع الميليشيا، شجعها على سرقة رواتب أكثر من 500 ألف موظف مدني، وساهمت المداهنة الأممية في مضاعفة ملايين الأطفال والنساء». وأشارت إلى أن تجاهل المجتمع الدولي لسياسة العقاب الجماعي والتجويع التي تنهجها الميليشيات، لم يشجعها لسرقة رواتب الموظفين وحسب، بل إنها حولت مأساتهم التي صنعتها وتسببت بها إلى ورقة تستثمرها أمام العالم، مُدعية أن توقف الرواتب جاء نتيجة لما تسميه الحصار على ميناء الحديدة، وعدم السماح بدخول سُفن المشتقات النفطية. وتقدمت الحكومة اليمنية بمبادرات عدة في الأعوام الماضية، أبدت استعدادها لصرف مرتبات الموظفين، مقابل أن ترفع الميليشيا يدها عن إيرادات مواني الحديدة، والتي تكفي لتغطية مرتبات القطاع المدني في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت احتلالها، لكنها رفضت المبادرة الحكومية. وفي مشاورات السويد بشأن الحديدة أواخر العام 2018، وقعت الحكومة اليمنية والميليشيا اتفاقاً عُرف باتفاق ستوكهولم، وينص أحد بنوده على إيداع إيرادات مواني الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني فرع الحديدة، لدفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن. وفي العام 2019 رعت الأممالمتحدة اتفاقاً سمي باتفاق «الرواتب» وبموجبه وافقت الحكومة اليمنية والميليشيا على توريد عائدات المشتقات النفطية عبر مواني الحديدة، وإيداعها في حساب مشترك في البنك المركزي، ويخضع تحت إدارة وإشراف الأممالمتحدة، على أن تخصص العائدات لصرف مرتبات الموظفين المدنيين. لكن الميليشيا خرجت عن الاتفاق وسرقت أكثر من 25 مليار ريال يمني، كانت الحكومة اليمنية أودعتها في الحساب المشترك ببنك الحديدة، وكافأتها الأممالمتحدة بطي «اتفاق الرواتب» من دائرة الاهتمام، ولم تتخذ أي إجراءات لإلزامها بتنفيذ الاتفاق والوفاء بتعهداتها. وفي مارس من العام 2021 تبنت المملكة مبادرتها الشهيرة، لإنهاء الأزمة في اليمن وفق المرجعيات الثلاث، وتتضمن بعض خطواتها «إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة، في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني، وفق اتفاقية ستوكهولم»، وكانت تهدف لإنهاء معاناة اليمنيين والموظفين المدنيين، وقوبلت المبادرة بالتعنت والرفض من جانب الميليشيات، التي تنهج سياسة التجويع بحق الشعب اليمني. وخلال مساع وتحركات الهدنة في اليمن، عمل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، والمملكة وقيادة التحالف العربي، على إحياء قضية رواتب الموظفين اليمنيين المنسيين، وإعادتها إلى دائرة اهتمام الأممالمتحدة، وبموجب جهود المجلس الرئاسي اليمني والمملكة، جرى إدراج قضية المرتبات ضمن شروط الهدنة السارية، والتي جرى تمديدها شهرين إضافيين. وبادرت الحكومة اليمنية وقيادة التحالف العربي للسماح بدخول أكثر من 20 سفينة نفطية عملاقة عبر ميناء الحديدة، فيما بلغت عائداتها أكثر من 90 مليار ريال يمني، وتنص شروط الهدنة على تخصيص هذه المبالغ لصرف مرتبات الموظفين المدنيين، في المناطق الواقعة تحت احتلال الميليشيا. وكشفت وثيقة نشرتها وسائل إعلام يمنية، نسبة الرسوم التي جنتها المليشيا من 18 سفينة وقود دخلت إلى ميناء الحديدة خلال فترة الهدنة السابقة، قبل أن يتم تمديدها لشهرين إضافيين، وتؤكد الوثيقة أن الرسوم تجاوزت أكثر من 70 مليار ريال يمني. غير أن الميليشيا لم تخصص أياً من هذه المبالغ لصرف رواتب الموظفين، حسبما تضمنته مبادرة الهدنة الأممية الأخيرة، ووفقاً لما نص عليه اتفاق ستوكهولم الموقع بين الحكومة اليمنية والميليشيا في ديسمبر 2018. وتؤكد الحكومة اليمنية أن رسوم سفن الوقود ال18 الواصلة إلى ميناء الحديدة خلال الشهرين الماضيين، كافية لصرف مرتبات موظفي الدولة لمدة 3 أشهر. الجدير بالذكر أن العائدات والإيرادات التي تُحصلها الميليشيات، لا تقتصر من سفن الوقود وضرائب وجبايات وأرباح تجارة المشتقات النفطية فحسب، بل إنها تحصد مئات المليارات من عملية البيع والتوزيع في السوق المحلية، إضافة إلى العائدات الجمركية والضرائب، التي تفرضها على السفن التجارية المحملة بالسلع والمواد غير النفطية، وُتدر أرباحاً طائلة. والتزمت الميليشيا للمبعوث الأممي بتنفيذ البند المتعلق بصرف رواتب الموظفين الحكوميين من إيرادات سفن الوقود والمشتقات النفطية الواصلة إلى مواني الحديدة، وأعلن رئيس المجلس السياسي للمليشيات في مهرجان أقيم الأسبوع الماضي بصنعاء، التزامهم ب»تخصيص إيرادات السفن لحساب الراتب لكل أبناء الشعب». لكن قيادة الميليشيات بعد أن انتفى مبرر الحصار على ميناء الحديدة، عادت مرة أخرى وتنصلت عن التزاماتها وتعهداتها، حيث أعلن مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي للحوثيين، تنصلهم عن الإفراج عن رواتب الموظفين، تحت مبرر جديد هذه المرة، مُدعياً أن إيرادات سفن الوقود والمشتقات النفطية الواصلة عبر مواني الحديدة، لا تكفي لتغطية مرتبات الموظفين في المحافظات الواقعة تحت احتلال ميلشياته.