الحكمة تقول: حاسبوا الفعل.. فردَّةُ الفعل دائمًا بريئة..! متى يُعذر من يرتكب فعلا عنيفا أو مبالغاً إذا ما قام بذلك كرد فعل على من تجنى عليه أو ظلمه أو استهان بحقه؟ من منا يتفق مع ويبرر لمن يبادر بالقيام بردود أفعال تجاه من يرتكب ضده عنفا أو قهرا؟ ومن منا يطالب المظلوم بالصبر وابتلاع الإهانة وإعطاء خده الثاني لمن لطمه على خده الأول.. من منطلق السلام النفسي أو الإحسان للغير أو الصبر بلا حدود..؟ وهذا فعل محمود بكل تأكيد في بعض المواقف الفردية وفي إطار إنساني تحكمه القوانين العادلة والقواعد الدينية والأخلاقية. وقد يكون ذلك ضمن قدرة بعض البشر على تحمل الغير والصبر حتى حين.. وضع ألف خط تحت كلمتي حتى حين. فهل ردات فعل المظلوم بريئة أم متهمة دائما بتصعيد الموقف وربما تماديه لما لا تحمد عقباه؟ وهل يجب أن يقع الحساب واللوم على من أشعل الشرارة من بدايتها؟ أم على من يثور لنفسه ولا يقبل التعدي والقهر في بعض الأحيان؟ دعنا نحلل الأمر بحكمة وعقلانية من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي من جهة ومقارنة مع تعاليم الخالق العظيم الذي يعلم خبايا النفس البشرية من جهة أخري.. نجد مثلا من العلماء من ينادي بأن تكون ردة الفعل مساوية فقط أو مشابهة تماما للفعل الذي أثارها، من منطلق القصاص العادل والمباح.. فالعين بالعين والسن بالسن.. أو استنباطا من القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة في الميكانيكا التقليدية، والذي ينص على أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. والذي يصعب تطبيقه بحذافيره علينا نحن بني البشر، إذ كيف لنا أن نحدد مقدار رد الفعل..؟! الموضوع شائك نوعًا ما بسبب عوامل كثيرة أهمها: كيفية تلقي الفعل من قبل المفعول به خاصة إذا أخذنا بالاعتبار الكم الهائل من رصيد التجارب السابقة وما يصاحبها من مشاعر موروثة وانفعالات عاطفية متنوعة.. نحن لا نعلم يقيناً بواطن النفس الإنسانية التي تفجر أشكالا متفاوتة من ردود الأفعال تجاه كل فعل وفاعله وأين ومتى تحدث نقطة الانفجار ناهيك أن تعلق ذلك بنقطة متوهجة حساسة داخل مكنونات النفس. وقد لاحظ علماء الاجتماع أن مقدار وكيفية رد الفعل هي أمر نسبي محض، فما يراه البعض ردة فعل هائلة أو غير مقبولة، قد تكون مستساغة ومقبولة لدى البعض الآخر، وفقاً لاختلاف الثقافات والمجتمعات، بل والعصور. فقديماً كانت مقولة عمرو بن كلثوم هي المأثورة في كل رد فعل: ألا لا يجهلن أحدٌ علينا .. فنجهل فوق جهل الجاهلينا بل كانت تعتبر ضرباً من ضروب من الشجاعة والبطولة! أما في كتاب "الإنسان يبحث عن المعنى" فيقول العالم فيكتور فرانكل إن "رد الفعل غير السوي إزاء موقف غير سوي هو استجابة سوية"، ولعلنا نجد خلاصة هذا الموضوع في نهج ديننا الإسلامي الحنيف. الذي شرع حق رد الفعل الرشيد حتى لو وصل للقتل دفاعاً عن النفس أو العرض أو الدين أو الوطن فلا عقاب عليه بل ينصره المشرع من منطلق مدافعة الظالم برده عن ظلمه. * بروفيسور مساعد واستشارية الصيدلة الإكلينيكية والنفسية