المركزي الروسي يخفض سعر صرف الروبل مقابل العملات الرئيسة    استشهاد 17 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الهلال يواصل استعداداته بعد التأهل.. وغياب سالم الدوسري عن مواجهة السيتي    الأرصاد: استمرار الحرارة والغبار.. وأمطار رعدية متوقعة جنوب المملكة    حقيقة تعاقد النصر مع جيسوس    نيوم يعلق على تقارير مفاوضاته لضم إمام عاشور ووسام أبو علي    موقف ميتروفيتش من مواجهة مانشستر سيتي    رابطة العالم الإسلامي تُدين العنف ضد المدنيين في غزة واعتداءات المستوطنين على كفر مالك    ليلة حماسية من الرياض: نزالات "سماك داون" تشعل الأجواء بحضور جماهيري كبير    عقبة المحمدية تستضيف الجولة الأولى من بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تقيم حفل انطلاق برامجها    رئيسة الحكومة ووزير الصحة بتونس يستقبلان الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية    «سلمان للإغاثة» يوزّع (3,000) كرتون من التمر في مديرية القاهرة بتعز    فعاليات ( لمة فرح 2 ) من البركة الخيرية تحتفي بالناجحين    "الحازمي" مشرفًا عامًا على مكتب المدير العام ومتحدثًا رسميًا لتعليم جازان    في حالة نادرة.. ولادة لأحد سلالات الضأن لسبعة توائم    دراسة: الصوم قبل الجراحة عديم الفائدة    ضبط شخص في تبوك لترويجه (66) كجم "حشيش" و(1) كيلوجرام "كوكايين"    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة البسام    نجاح أول عملية باستخدام تقنية الارتجاع الهيدروستاتيكي لطفل بتبوك    صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    مقتل 18 سائحًا من أسرة واحدة غرقًا بعد فيضان نهر سوات بباكستان    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    أخلاقيات متجذرة    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    تحسن أسعار النفط والذهب    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بديوي الوقداني.. الشاعر المُتمكِّن
نشر في الرياض يوم 06 - 12 - 2020

لا زلت منذ أن قرأت شعر الشاعر الحكيم بديوي الوقداني -رحمه الله- معجبًا بشعره وقصائده، فقد أثبت قدرته على نظم الشعر الشعبي بل والفصيح، وشعره الفصيح الجيّد ليس من النظم الضعيف المتكلف البارد، ولو أنه تفرغ للشعر الفصيح تفرغًا كاملًا واستفرغ فيه جهده وطاقته وكل إمكاناته لكان من شعراء العربية الفصحي في القرن الثالث عشر الهجري -القرن التاسع عشر الميلادي-، ومع أن عمر الوقداني ليس طويلًا إذ أنه توفي وعمره 51 عاماً، لكنه استطاع أن يرسخ مكانته كعَلم من أعلام الشعر في الحجاز، بل في الجزيرة العربية، ولولا قوة شاعريته وتأثيره لما كسب هذه الشهرة حتى وقتنا الحالي، فهو قد خلّد اسمه في سجل الشعراء الشعبيين، وحقاً فبديوي الوقداني يستحق هذه الدرجة من الشهرة وذيوع الصيت، فقوافيه على لسان الناس.
وأول من نوّه بذكر بديوي الوقداني وكتب عنه معاصره بل هو من أصدقائه المؤرخ أحمد الحضراوي الهاشمي المتوفى العام 1327ه -رحمه الله- في كتابه الموسوعة (نزعة الفكر فيما مضى من الحوادث والعبر) -الجزء الأول-، وله فضل السبق في هذه الترجمة الفريدة النادرة، وإن كانت لا تروي المتعطش لسيرة الوقداني، الجدير بالذكر أن د.فايز الحربي هو من أوائل من كشف عن هذه الترجمة لبديوي قبل أن اطلع على المطبوع فيما بعد، وله فضل السبق.
وقال المؤرخ أحمد الحضراوي في كتابه المذكور عن الشاعر الوقداني: "ولد بوادي النمل -وهو محل على فرسخ من الطائف- العام 1244ه، وتربى به، ثم سكن الطائف لتحصيل العلم والمعاش، وكان قريحة بالعربية ثم نظم القريض، ولُقِّب بشاعر الحجاز -يعني الطائف- وما علاه.
نموذجي شعر
وقال المؤرخ أحمد الحضراوي: واجتمعت ببديوي في الطائف المأنوس عام 1287ه، وقبل هذا العام لنا اجتماع كثير ومحاضرات لطيفة، ثم ذكر الحضراوي نموذجين من شعره فقط هي مجمل الترجمة التي لم يفصل فيها ولم يُبن عن حياته وكيف تلقى العلم في الطائف -أقصد من هم أساتذته- ومواقفه؛ لأنه يعرفه تمام المعرفة كما هو الظاهر من ترجمته له، وكذلك أشعاره وقصائده -ليت لو استرسل فيها وسردها الفصيح والشعبي-، وانفرد الحضراوي بذكر مولد الوقداني فيما أعلم، ويأتي مؤرخ آخر لم يدرك الوقداني لكن أدرك من شاهد الوقداني كما هو الظاهر من سياق كلامه، ألا وهو المؤرخ الأديب العالم خير الدين الزركلي -رحمه الله- حيث ذكر أنه شاهد شخصاً كبيراً طاعناً في السن بالطائف، وسأله عن بديوي، وذلك في أوائل الأربعينات للهجرة من القرن الرابع عشر الهجري، وروى له قصيدة لبديوي وهذا في كتاب الزركلي (ما رأيت وما سمعت)، وأثبت المؤرخ تاريخ وفاة بديوي الوقداني عام 1296ه ولعله انفرد بذلك، لكن الزركلي لم يذكر ترجمة الوقداني في موسوعته «الأعلام»، الأعلام والشخصيات الشعرية في الحجاز التي نالت مكانة ورفعة في الشعر، وهذا مما يستدرك على الزركلي، لكن هذا التاريخ ليس دقيقًا، إذ إن الحضراوي قال إنه توفي عام 1295ه.
حامل اللواء
والمؤرخ محمد سعيد كمال -رحمه الله- هو من أوائل من نشر ديوان بديوي الوقداني في سلسلته المشهورة (الأزهار النادية من أشعار البادية) -الجزء الأول- وحوى بعض قصائد بديوي الفصيحة والشعبية، يقول: في مقدمة الديوان: خرج هذا الشاعر في عصره حاملاً لواء الشعر إذا غرّد أسكت البلابل، وإذا غنى أطرب المحافل، فارس الميدانين القريض -الفصيح - والحميني - الشعبي - مدح وجهاء عصره ونال جوائزهم، وكان في بادئ أمره مشهوراً بنظم «الحميني» الشعبي، ثم قرأ قليلاً من النحو والأدب فنظم القريض -الفصيح- وأجاد فيه، ولكن المؤرخ الرواية محمد كمال لم يذكر المصدر الذي اعتمد عليه في نشر شعر بديوي، ولكن له الريادة في نشره النشرة الأولى، ولم يرتب الشعر حسب القوافي ولم يقسم شعره الفصيح على حده والشعبي على حده، وقد طبع الجزء عدة طبعات في حياة مؤلفه مرارًا، وطبع بعد وفاته، وأضيفت ترجمة المؤرخ الحضراوي، ولكن هذه الإضافة فيها زيادة على ما في المطبوع.
ترجمة بديوي
وهناك كتابان للحضراوي هما (نزهة الفكر) وهو الذي نقلت عنه ترجمة بديوي، والكتاب الآخر (تاج تواريخ البشر)، والمحقق لم يجزم أنه كتاب واحد بل قال: لعله -أي نزهة الفكر- هو تاج تواريخ البشر، ولعل الراجح أنهما كتابان وليس كتاباً واحداً بدليل في النسخة التي نقل منها الناشر لديوان الوقداني وهي ترجمته تختلف عن ترجمة نزهة الفكر وفيها وفاة الوقداني سنة 1295ه، وليس عام 1296ه، كما ذكر الزركلي في كتابه (ما رأيت وما سمعت)، فالحضراوي صديق الوقداني وهو أخبر به وكلامه هو العمدة لأنه معاصر وفاته، وتبع الباحث إبراهيم الخالدي في كتابه (ديوان الوقداني) محمد كمال في تاريخ وفاة الوقداني عام 1296ه والصحيح عام 1295ه، والطبعة الأخيرة لديوان الوقداني في عام 1422ه الذي جمعه الأديب محمد سعيد كمال هي بعناية عبدالقادر كمال، وهي الطبعة السابعة.
سواجع الشوق
وكان أول الدارسين لشعر بديوي الوقداني الفصيح هو المؤرخ أحمد الحضراوي في كتابيه (نزهة الفكر) و(تاج تواريخ البشر)، فهو رائد هذه الدراسة القديمة والبكر وأثنى على شعر الفصيح، ومنها قصيدته التي سرد أبيات منها في نزهة الفكر وهي:
سواجع الشوق باتت في أغانيها
تتلو فنون الهوى والوجد يمليها
فذكرتني عصورا قد خلت ومضت
حيث التصافي وروحي في تصابيها
واستعرض الحضراوي قدرات الوقداني الشعرية في تخميس بعض الأبيات، ومنها الأبيات:
إذا ظفرت يوماً يداي بمنيتي
وقرت بطيب الأنس واللهو مقلتي
أقول بقلبي والحبيب بحضرتي
تمتع من الدنيا بلذتك التي
جنح الظلام
ويروى الأديب محمد كمال في ديوانه الذي جمعه عن بديوي قائلاً: ولما بدأ شاعرنا بديوي في تعلم النحو حاول أن يقوله قريضاً -أي شعر فصيح- فقال يمدح الوزير محمد رشدي الشرداني:
أبرق لاح أم قمر منير
مسك فاح أم ند عبير
سرت جنح الظلام فقلت بدرًا
يكاد بنوره الساري يسير
فهزت من قوام القد رمحاً
فصار الكل منها يستجير
إلى أن قال:
تلاعب قدها المياس عجبًا
كما ذا يلعب الغصن النضير
فتصطاد القلوب بمقلتيها
فتطعن بالقوام ولا تجير
قفي يا ربة الخلخال مهلاً
أما أني أسير ولا أسير
وفي قلبي من الهجران نار
اذا جن الدجى فلها سعير
وأني لا أطيق الصبر يومًا
من الهجران يشتق الهجير
ومع أن القصيدة في مدح إلاّ أن بديوي استهلها بهذا الغزل الرقيق العذب السلس، وبحسب رواية الأديب محمد كمال أن هذه أول محاولة من بديوي لنظم الشعر الفصيح وهي محاولة وتجربة ناجحة من شاعر لم يتفرغ للشعر الفصيح وكانت الصورة الفنية في الأبيات جيدة ومنها بيته الرائع الإبداعي:
فهزت من قوام القد رمحًا
فصار الكل منها يستجير
مصور شعري
وقال الباحث إبراهيم الخالدي في كتابه (ديوان شاعر الحجاز): بديوي الوقداني مصور شعري خطير، قادر على التقاط أكثر الصور الشعرية -انتهى كلامه-، فالشاعر بديوي لمّاح وفطن استطاعت كاميرته التصويرية الشعرية أن يصور ما يبتغيه وايصالها للناس، وكما قلت منذ سنوات عندما كتبت عنه في صفحة «خزامى الصحارى»: ليت النادي الأدبي بالطائف يقوم بهذه الدراسة لشعره الفصيح ويرصد ما لم يدوّن من شعره الفصيح أو على الأقل تقام ندوة بمقر النادي عن شعره الفصيح فهو يستحق هذا وأكثر.
وبديوي الوقداني اشتهر كشاعر شعبي أكثر منه شاعر فصيح فكانت شهرته بالشعبي أكثر -فيما اعتقد- وهو من عباقرة الشعر الشعبي في القرن الثالث عشر الهجري، ويحق لعالم الشعر الشعبي أو النبطي أن يكون الوقداني أحد أساطين الشعر الشعبي في الجزيرة العربية، وهو حاضر معنا بشعره هذا وأول من جمع شعره الشعبي هو الأديب محمد سعيد كمال صاحب مكتبة المعارف بالطائف، وكانت أول نشره عام 1379ه، ولكمال الريادة في نشر شعره الشعبي والفصيح، طبعاً لم يرتب الديوان على حسب القوافي بل جعله متناثراً وقدّم لبعض القصائد بمقدمات ثم جاء الباحث المؤرخ إبراهيم بن حامد الخالدي فنشر ديوان الوقداني مقدماً حياة الشاعر وعصره، ودراسة جيدة عن شعره، ورتب الديوان على حسب القوافي ذاكراً تخريج القصيدة وبحرها مفسراً غوامض الكلمات واضعاً لكل قصيدة مقدمة، فهي من أفضل النشرات لديوان بديوي وإن كان الأديب المؤرخ محمد سعيد كمال له فضل السبق.
مدرسة حياة
والقصيدة التي هي من عيون الشعر الشعبي قصيدة بديوي الوقداني في تقلبات الدنيا وأخلاق الناس، ولو لم يكن لبديوي إلاّ هذه القصيدة لكفته فخراً والتي هي أول بيت منها على لسان الكثيرين من أهل الطائف وغيرهم، وهذه القصيدة اللامية خزانة حكم وتجارب بل هي مدرسة حياة قدمها بديوي للناس منذ أكثر من 150 عاماً، خلاصة مختصرة لما شاهده في حياته ومعاصرة لهم، فدرس رحمه الله أخلاقهم وطباعهم ونفسياتهم واختبرهم فخبر معادنهم اللئيم منهم والكريم، الشجاع والجبان، انظر إليه يقول:
والناس أجانيب لين إنك تصاحبها
تكون منهم كما قالوا بالأمثالي
وهو رحمه الله يمنح دروساً كما قلت وعظات ونصائح لكل من قرأ هذه القصيدة، ولعل هذه القصيدة كتبها في آخر حياته مع أن عمره ليس طويلاً، حيث ختم القصيدة بالتوبة:
يا رب توبة وروحي لا تعذبها
يوم القيامة إذا ما ضاقت أعمالي
ومن الذين أثنوا على شعر بديوي كما ينقل الباحث إبراهيم الخالدي في الديوان الذي جمعه عن بديوي أن د. طه حسين قرأ أشعاره وقال: لو أن هذا قال شعره بالفصيح لنسي الناس المتنبي، وهذا مما يذكره الباحث محمد أبو حمرا، ويقول عنه العلامة الزركلي: من أكثر شعرائهم –يعني شعراء النبط- أخباراً وأوقرهم أشعارًا ناظم القريض والحميني المجيد فيهما معاً -من كتاب شاعر الحجاز بديوي الوقداني للباحث إبراهيم الخالدي الطبعة الأولى عام 1426ه. هذا موجز لحياة شاعر شرقت وغربت شهرته ولا يزال شعره منقوشاً في الذاكرة رحمه الله وعفا عنه.
إبراهيم الخالدي صاحب كتاب ديوان شاعر الحجاز
خير الدين الزركلي من أوائل من كتب عن الوقداني
أول دراسة كُتبت عن الوقداني
حصن بناه الوقداني بالطائف لا يزال شامخاً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.